انطلقت قمة حلف شمال الأطلسي اليوم في مدينة لاهاي بهولندا، وسط ضغوط أمريكية على الأوروبيين لزيادة إنفاقهم الدفاعي.
ووفقا لتقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” فمع تزايد هشاشة الأوضاع الاقتصادية، تواجه حكومات أوروبا تحديًا إضافيًا: من أين يأتون بالمال لزيادة الإنفاق العسكري بشكل كبير؟
وطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دول الناتو الـ31 بزيادة إنفاقها الدفاعي من 2% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 5%، في تصعيد واضح للضغوط. كما أوضح أن الولايات المتحدة ستخفض التزاماتها العسكرية والمالية تجاه الحلف، رغم أن التفاصيل لم تُحدد بعد.
ويجب على قادة الاتحاد الأوروبي الحفاظ على دعم الرأي العام للإنفاق الدفاعي المشترك ومشتريات الأسلحة الموحدة، رغم المعارضة المتزايدة من التيارات القومية اليمينية التي ترفض توسيع صلاحيات بروكسل. كما أن الشعور بالخطر من روسيا يختلف من بلد إلى آخر؛ فبينما تخصص بولندا -المجاورة لأوكرانيا- قرابة 5% من ناتجها المحلي للدفاع، لم تتجاوز هذه النسبة 1.3% في إسبانيا العام الماضي.
تغير طبيعة التهديد
ولعقود، ركزت الجيوش الأوروبية على مهمات في الخارج مثل أفغانستان والعراق. أما اليوم، فهي مطالبة بإعادة توجيه قدراتها نحو حماية أراضيها، في ظل عداء مع روسيا متزايدة.
كما أن تطور تقنيات الحرب الحديثة -من الهجمات الإلكترونية إلى أنظمة الاستطلاع والإدارة القتالية- يضيف طبقات جديدة من التعقيد. ويرى محللون أن التحول الجاري في شكل الحرب يشبه ما حدث خلال الحرب العالمية الأولى، عندما استُبدلت الأسلحة التقليدية بالدبابات والطائرات والمدافع الرشاشة.
وتُعدّ ساحات المعركة في أوكرانيا مثالًا حيًا على هذا التحول، حيث تجمع بين تقنيات متطورة واستراتيجيات تقليدية، مع استخدام مكثف للطائرات المُسيّرة والخنادق الطينية. يقول أندريوس كوبيليوس، المفوض الأوروبي للدفاع والفضاء: “اليوم، 80% من الأهداف في أوكرانيا يتم تدميرها بواسطة الطائرات المُسيّرة. وكل شهرين، نحتاج إلى ابتكارات جذرية في هذه التكنولوجيا”.
زيادة التكنولوجيا الدفاعية
وفي استجابة لهذه التغيرات، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية هذا الشهر عن تحول جذري في استراتيجيتها القتالية. ستركز الخطة الجديدة على الطائرات المُسيّرة والمركبات البرية بدون طيار والذخائر الذكية، بحيث تعتمد 80% من القدرة القتالية البريطانية على هذه التكنولوجيا بدلاً من الدروع الثقيلة والمشاة الميكانيكية.
كما اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات مماثلة. ففي مارس/آذار، نشر قادة الاتحاد خارطة طريق لتحقيق الجاهزية القتالية بحلول عام 2030. وفي مايو/أيار، أطلقوا برنامجًا بقيمة 150 مليار يورو للاستثمار المشترك في مشاريع الدفاع، كجزء من جهود تعزيز التنسيق بين الدول الـ23 التي تشارك في الاتحاد الأوروبي والناتو معًا.
لكن التقدم ما زال بطيئًا بسبب البيروقراطية والتشريعات المختلفة بين الدول، مما يعوق تحويل الدفاع الأوروبي إلى قوة موحدة وفعالة. كما أن التنسيق المالي والعسكري المشترك لا يزال نادرًا، فيما تؤدي العقبات الإدارية إلى تأخير التسليمات ونقص الإمدادات وإهدار الموارد.
ورغم أن الناتو يحدد الاستراتيجيات العامة، فإن كل دولة تدير ميزانيتها الدفاعية وتضع معاييرها الخاصة وتتولى تصاريح التصدير وخطط الشراء، مما يؤدي إلى تعقيدات كبيرة. فعلى سبيل المثال، يحتاج مكون ألماني مدمج في طائرة فرنسية إلى ترخيص تصدير منفصل، مما قد يؤخر التسليم لأشهر. وبالرغم من أن 12 دولة أوروبية تستخدم مروحية NH90 نفسها، إلا أن هناك 17 إصدارًا مختلفًا منها.
وتسعى أوروبا أيضًا إلى تقليص اعتمادها على الأسلحة الأمريكية. فقد ارتفعت نسبة المعدات العسكرية الأمريكية في جيوش الناتو الأوروبية إلى نحو الثلثين، بعد أن كانت حوالي النصف قبل أقل من عشر سنوات، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وللحد من هذا الاعتماد، بدأ الاتحاد الأوروبي في إعطاء أولوية للاستثمار في الصناعات الدفاعية المحلية وتعزيز سلاسل الإمداد الخاصة بالمواد الحيوية مثل البارود. وقال كميل غران، المسؤول السابق في الناتو، إن الصناعة الدفاعية الأوروبية تمر بتحول كبير نحو الإنتاج القياسي واسع النطاق، مما يتطلب دمجًا صناعيًا أوسع ومشتريات جماعية.
لكن شركات الدفاع تشكو من غياب التوجيه الحكومي. ويقول يان بيه، الأمين العام لجمعية ASD، التي تمثل 4000 شركة أوروبية: “الآلة السياسية بطيئة، وهذا يجعل من الصعب التوسع بالإنتاج”.
وأشار بيه إلى أن تصاريح البناء البيئي المطلوبة لبناء مصانع أسلحة جديدة قد تستغرق خمس سنوات. واستشهد بمثال لشركة Nammo النرويجية، التي لم تستطع زيادة إنتاج الذخيرة في 2023 بسبب استهلاك مركز بيانات تابع لـTikTok للكهرباء الزائدة في المنطقة.
ورغم التحديات، يرى بعض القادة الأوروبيين أن النقاشات حول التمويل قطعت شوطًا كبيرًا. تقول ناديا كالفينيو، رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي: “هناك كثير من الحديث عن الأرقام والتمويل، لكن أوروبا قارة غنية، ويمكننا تعبئة التمويل اللازم”.
ويتفق هيوغ لافاندييه، رئيس وحدة الدفاع والفضاء في شركة ماكنزي بأوروبا، مع هذا الرأي، قائلاً إن “الجدل المالي أصبح خلفنا إلى حد ما”. وأضاف أن دول الناتو الأوروبية ضاعفت إنفاقها العسكري منذ عام 2016، ومن المتوقع أن تصل نفقاتها إلى ما بين 800 مليار وتريليون يورو (929.6 مليار دولار – 1.2 تريليون دولار) بحلول عام 2030. واختتم قائلًا: “هذا رقم هائل. الآن السؤال هو: كيف نترجم كل هذا التمويل إلى قدرات قتالية حقيقية؟”.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز