روسيا تستقبل رئيس مالي.. «رسائل نفوذ» في ثغرة «غياب الخصوم»

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



لم يكن مجرد لقاء بين رئيسين، بل يختزل الوجه الآخر لتحولات عميقة تعيد تشكيل خارطة النفوذ بساحل أفريقيا وتبعث برسائل سياسية واستراتيجية.

هكذا يقرأ خبراء الزيارة التي يجريها رئيس المرحلة الانتقالية في مالي، الجنرال آسيمي غويتا، إلى روسيا، والتي التقى خلالها بالرئيس فلاديمير بوتين.

وتأتي زيارة غويتا إلى روسيا في ظل تصاعد الهجمات الإرهابية في مالي، البلد الأفريقي المضطرب الذي لم يهدأ منذ 2012، حيث دفعت به أزمة سياسية إلى أخرى أمنية، تخللتها انقلابات، وانتهت بطرد فرنسا عام 2022.

وتندرج الزيارة في إطار تعزيز “روابط التعاون” بين البلدين، والتي لا تقتصر فقط على الجوانب الأمنية، بل تمتد أيضًا إلى مجالات الطاقة والنقل والاقتصاد.

ورغم أن رؤساء دول “تحالف دول الساحل” نادرًا ما يغادرون بلدانهم، بسبب الوضع الأمني الدقيق في المنطقة، فإن زيارة غويتا إلى موسكو تعكس أهمية العلاقة الاستراتيجية التي تربط باماكو بموسكو.

ففي ظل استمرار التهديدات الإرهابية في الساحل، تفضل السلطات الانتقالية البقاء قريبة من مسرح العمليات، إلا أن روسيا تمثل استثناءً يستحق تخصيص زيارة رفيعة المستوى، بما يتماشى مع طبيعة العلاقات بين الجانبين منذ صعود العسكر إلى السلطة.

وفي موسكو، حظي غويتا بحفاوة رسمية، حيث وصف الجانب الروسي الزيارة بأنها “رسمية رفيعة المستوى”، ورافق الرئيس وفد كبير يضم شخصيات من الحكومة والمجلس الوطني الانتقالي، ما يعكس ثقل الملفات المطروحة على جدول أعمال اللقاءات.

«أبعاد استراتيجية»

وفي هذا السياق، يرى البروفيسور موسى كوني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو في مالي، أن “زيارة غويتا إلى موسكو تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز الظرفية”. 

ويوضح كوني، في حديث لـ”العين الإخبارية”: “نحن أمام بناء تحالف متعدد الأوجه، حيث يتم الدفاع عن المصالح الوطنية بشراكة متوازنة تحترم سيادة مالي”.

وأشار كوني إلى أن “التعاون بين البلدين لا يتوقف عند حدود الأمن”، مضيفا أن التصريحات الرسمية تشدد على أن الشراكة بين باماكو وموسكو تأخذ طابعًا استراتيجيًا متكاملًا، حيث تشمل ملفات الاقتصاد والطاقة والنقل والتعليم الفني.

ووفقاً للباحث السياسي المالي، فإن مشروع إنشاء مصفاة صناعية للذهب في باماكو يعد من أبرز المشاريع الاقتصادية قيد البحث، حيث تمتلك الدولة المالية 62% من أسهمها. 

وأوضح أن عملية التكرير ستتم بالشراكة مع شركة “يادران” الروسية، فيما تواصل شركة “نوردغولد” الروسية أيضًا نشاطها في مواقع تعدين متعددة داخل مالي.

وتُعد صناعة الذهب من الأولويات الاقتصادية التي تعمل عليها الحكومة الانتقالية ضمن خطتها لتنويع الشراكات وتعزيز السيادة الوطنية على الموارد.

«تحول إيجابي»

من جهته، أكد الدكتور سليمان ديمبيلي، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة سيغو، لـ”العين الإخبارية”، أن “الانفتاح على روسيا يمثل تحولًا إيجابيًا في السياسة الخارجية المالية، يكرس مبدأ الاستقلالية في القرار، خاصة بعد تجربة طويلة من الاعتماد على شركاء لم يلبوا طموحات الشعب المالي”.

وأشار الباحث المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة سيغو، إلى أن “زيارة رئيس مالي إلى موسكو ليست مجرد محطة دبلوماسية، بل هي خطوة محسوبة نحو شراكة أعمق مع قوة دولية كبرى”.

أما عن دلالة التوقيت فقد أشار ديمبيلي إلى أن “الزيارة جاءت في توقيت تشهد فيه منطقة الساحل تغييرات جيوسياسية متسارعة، ويبدو أن باماكو عازمة على إعادة رسم موقعها فيها بثقة وثبات”.

«فيلق أفريقيا»

كما رأى ديمبيلي أن هذه الزيارة الثانية للجنرال غويتا إلى روسيا بعد مشاركته في قمة روسيا–أفريقيا في سان بطرسبرغ عام 2023، موضحاً أنها تأتي في سياق تثبيت وجود وحدة “فيلق أفريقيا” الروسية في مالي، والتي أصبحت تمثل الوجه الرسمي للتعاون العسكري بعد مرحلة مجموعة فاغنر. 

وتأتي زيارة غويتا بعد أيام من إعلان مجموعة «فاغنر» الروسية مغادرتها مالي حيث كانت تنشط منذ عام 2021، على أن تُدمَج مجموعاتها ضمن «فيلق أفريقيا» وهو منظمة أخرى تسيطر عليها أيضا وزارة الدفاع الروسية.

وبحسب ديمبيلي، فإن “فيلق أفريقيا تعمل بشكل مباشر تحت إشراف وزارة الدفاع الروسية، وتربطها علاقات مؤسساتية وثيقة بالسلطات في موسكو”.

وتابع أن “الزيارة تعزز الحضور الروسي المتصاعد بوضوح في مالي، من خلال العمليات المشتركة على الأرض، والتواجد المتكرر لنائب وزير الدفاع الروسي، الجنرال يونس بك يفكوروف، في مواقع مختلفة بمنطقة الساحل” الأفريقي.

aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز FR



‫0 تعليق

اترك تعليقاً