في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء الماضي تحوّلت أجواء أحد شوارع منطقة المعصرة جنوب القاهرة إلى مسرح مأساوي لعنف غير مبرر، بعدما سقط شاب عشريني غارقًا في دمائه، إثر تلقيه طعنة نافذة في الصدر خلال مشاجرة نشبت في شارع السلك، بجوار مقهى الصعايدة، إحدى المناطق المعروفة بالحركة الليلية والازدحام، الشاب ويدعى حمتو محمود يوسف، يبلغ من العمر 28 عامًا ويقيم في المعصرة، لم يكن طرفًا أساسيًا في الشجار حسب أقوال الشهود، لكنه تلقى الطعنة القاتلة فجأة، ليسقط مغشيًا عليه أمام أعين المارة الذين حاولوا تقديم الإسعافات الأولية بينما كانت سيارة الإسعاف في طريقها.
الرعاية الحرجة
تم نقله أولًا إلى مستشفى الدمرداش، لكن حالته المتدهورة دفعت الأطباء إلى تحويله على الفور إلى مستشفى المعادي العسكري، وهناك دخل مباشرة إلى غرفة الطوارئ، في حالة وُصفت بأنها حرجة جدًا، بعد أن فقد وعيه بالكامل نتيجة الجرح الطعني النافذ أسفل الترقوة اليسرى، والذي أدى إلى تجمع دموي وهوائي في التجويف الصدري، وهبوط حاد في ضغط الدم، وتوقف لحظي في عضلة القلب، أطباء الرعاية المركزة، وعلى رأسهم الدكتور أحمد سامي أحمد رئيس القسم، والدكتور عبد المنعم عبد الفتاح خليل اختصاصي الرعاية الحرجة، أصدروا تقريرًا رسميًا أكدوا فيه أن المصاب نُقل إلى غرفة العمليات فورًا، حيث خضع لفتح جراحي عاجل بالصدر الأيسر، تم خلاله تركيب أنبوبة صدرية لتفريغ الهواء والدم، وإجراء إصلاحات دقيقة للنزيف الداخلي في الرئة والتجويف الصدري، تلاها محاولات متكررة للإنعاش القلبي الرئوي.
مباحث المعصرة
رغم الجهود المكثفة، دخل المصاب في غيبوبة عميقة بسبب الصدمة النزفية واستمرار فقدان الدم، ولا يزال حتى الآن على جهاز التنفس الصناعي بالعناية المركزة، فيما أكد الفريق الطبي أن حالته لا تسمح باستجوابه أو التواصل معه، لا شفهيًا ولا كتابيًا، وهو ما وثّق رسميًا بخط الأطباء وتوقيعاتهم في التقرير الطبي. في موازاة الوضع الصحي الحرج، تحرّكت قوات مباحث قسم شرطة المعصرة بسرعة، بقيادة المقدم إسلام بكر ومعاونَي المباحث الرواد كريم عبد العاطي وحسام وجدي، اللذين تمكّنا من تحديد هوية المتهمين بناءً على أقوال الشهود ومراجعة كاميرات المراقبة المنتشرة في محيط الحادث، وبعد تحريات موسّعة، أُلقي القبض على الشقيقين حامد عبد الحميد ومحمود عبد الحميد، اللذين وُجهت إليهما النيابة العامة تهمة الشروع في القتل، وقررت حبسهما على ذمة التحقيقات مع استمرار جمع الأدلة وسماع شهادات شهود العيان.
وأفاد مصدر مطلع على سير التحقيقات أن إحدى الكاميرات المثبتة أعلى المقهى القريب من مسرح الجريمة وثّقت لحظة اندلاع الشجار، وأظهرت تصاعد التوتر بين أطراف المشادة، قبل أن يخرج أحد المتهمين سلاحًا أبيض ويوجه الطعنة نحو المجني عليه، وسط حالة من الهلع والصراخ، نيابة المعصرة طلبت تفريغ كافة التسجيلات المحيطة بالمكان، كما خاطبت المستشفى للاستعلام الدوري عن تطورات الحالة الصحية للمجني عليه تمهيدًا لسماع أقواله متى سمحت حالته بذلك.
أسرة شاب المعصرة
من جانبها، تعيش أسرة شاب المعصرة حمتو لحظات عصيبة أمام غرفة العناية المركزة، بينما تتشبث والدته بالأمل في أن يفتح عينيه من جديد، وتقول، وهي تبكي بحرقة: “ابني راح يتمشى وراجع لي جثة نايمة.. مش عايزة غير إنه يصحى ويكلمنا، نفسي أسمع صوته”. فيما يضيف شقيقه: “الناس ساعدونا، والإسعاف جه، بس الجرح كان غويد.. وعاوزين حقه يوصل”.
العنف في الشارع المصري
الواقعة أعادت إلى الواجهة مرة أخرى أزمة العنف في الشارع المصري، لا سيما في المناطق الشعبية التي باتت تشهد بشكل متكرر مشاجرات تتحول بسرعة إلى اعتداءات بالسلاح الأبيض، لأسباب قد تبدو بسيطة أو تافهة. ويرى بعض المتابعين أن تكرار هذه النوعية من الحوادث يفتح الباب أمام تساؤلات عن مدى فاعلية القانون وحده في الردع، في ظل غياب الوعي، وسهولة حمل واستخدام الأسلحة البيضاء، فضلًا عن ثقافة العنف التي تسللت إلى الشارع، ويقترح خبراء في علم الاجتماع ضرورة تبني خطة وطنية للحد من هذه الحوادث تشمل تغليظ العقوبات، وتوسيع نطاق حملات التوعية، ودعم دور المدرسة والإعلام في نشر ثقافة التسامح وضبط النفس، إلى جانب تمكين مبادرات أهلية وشبابية تلعب دورًا في الوساطة المجتمعية واحتواء النزاعات قبل تفجرها.
مصير مجهول
وفي انتظار أن يستعيد حمتو وعيه ويتمكن من الإدلاء بشهادته، وتتواصل التحقيقات الأمنية والقانونية، بينما تبقى الأسرة مرابطة أمام العناية المركزة، تعيش بين الرجاء والقلق، على أمل أن تكتمل فصول العدالة، ويُكتب للشاب النجاة من مصير مجهول.