في خضم التصعيد المتزايد بين إسرائيل وإيران كثر الحديث مؤخرًا عن إمكانية استهداف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي باعتباره “هدفًا” ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية.
وقد بدا لافتًا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سارع إلى النأي بنفسه عن هذا المسار معلنًا معارضته لمثل هذه الخطوة، رغم تأكيده أن خامنئي على رأس قائمة الأهداف لدى تل أبيب. لكن اغتيال شخصية بهذا الوزن ليس مجرد خطوة تكتيكية عابرة بل هو تطور نوعي بالغ التعقيد لا تنحصر تداعياته في إيران وحدها بل تمتد إلى المنطقة بأسرها.
ما بين الرمز والعقيدة: هل خامنئي هدف عسكري فقط؟
ينبغي الاعتراف أولًا بأن المرشد الإيراني ليس مجرد مسؤول سياسي رفيع بل هو “عقدة النظام” و”ظل الله على الأرض” في العقلية الثيوقراطية الإيرانية. موقعه يتجاوز السلطة التنفيذية إلى المرجعية الدينية والرمزية.
اغتياله لا يشبه اغتيال قائد عسكري أو رئيس حزب بل يحمل في طياته إهانة عقائدية للشريحة التي تراه ولي أمر المسلمين، وإشارة مباشرة إلى أن كل شيء في إيران بات مستباحًا.
دروس من التاريخ… لكنها لا تكفي وحدها
يشير البعض إلى موقف واشنطن من الإمبراطور الياباني هيروهيتو، عندما امتنعت عن اغتياله خلال الحرب العالمية الثانية رغم دوره الرمزي والعسكري، وسعت إلى الحفاظ عليه من أجل تسهيل المصالحة بعد الحرب.
هذه المقارنة وجيهة من زاوية أثر الرموز في مرحلة ما بعد الحرب لكنها لا تنطبق كليًا على الواقع الإيراني، فخامنئي ليس مجرد رمز ديني بل هو المحرّك الفعلي للآلة السياسية والأمنية والعسكرية وهو من يقود نهج التوسّع الإقليمي.
اغتياله إن حصل لن يكون فقط ضربة رمزية بل سيُحدث فراغًا سياسيًا هائلًا داخل بنية النظام نفسه. ورغم اتفاقنا على أن استهداف الشخصيات الرمزية قد يفتح أبوابًا للثأرات العقائدية ويعقّد جهود التهدئة لاحقًا إلا أن السؤال الجوهري هو: هل بقاء هذه الرموز يساهم في السلام؟ أم يُكرّس النزاع ويفاقم التدخلات؟
ثم إن أي اغتيال بهذا الحجم حتى لو نفذته إسرائيل منفردة ستُحمّل واشنطن تبعاته، وستتهم بالتواطؤ أو الدعم غير المباشر ما قد يعرّض مصالحها لمخاطر انتقامية واسعة النطاق.
الحل الممكن: الردع دون الانزلاق
الواقعية السياسية تقتضي الاعتراف بأن خامنئي ليس بمنأى عن الاستهداف لكنه في الوقت نفسه ليس هدفًا مضمون النتائج. ضربة بهذا الحجم قد تفتح بابًا لحرب بلا نهاية.
إن تحقيق الأهداف دون السقوط في فخ الثارات والمواجهات المفتوحة هو بحد ذاته شكل متقدم من فنون إدارة الصراع. وعلى القوى الكبرى أن تتوازن بين الغضب التكتيكي والحساب الاستراتيجي طويل المدى.
خاتمة: المصالح لا تُبنى على الرماد
اغتيال المرشد الأعلى الإيراني قد يبدو مغريًا من حيث الكسب العسكري السريع، لكنه في ميزان المصالح الإقليمية والدولية قرار محفوف بالمخاطر.
ما تحتاجه المنطقة ليس انتقامًا دمويًا، بل مسارًا منسقًا لتقويض المشروع الإيراني، وتحجيم أذرعه، وتفكيك مراكزه الأيديولوجية بهدوء.
استمرار. الانتقام قد يُرضي لحظة، لكن السياسات المدروسة وحدها هي القادرة على تحقيق الأهداف دون أن تُطلق شرارات فوضى يصعب احتواؤها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة