تتصاعد حدة التوترات بين إيران وإسرائيل، وتزداد معها احتمالات توسع رقعة الصراع إلى دول الجوار، لا بفعل الانخراط المباشر في المعركة، بل من خلال المساس بالمجال الجوي أو التسبب بأضرار غير مباشرة.
وفي قلب هذه الجغرافيا المعقدة، تقف العديد من الدول؛ بينها الأردن كدولة تتبنى سياسة الحياد الإيجابي، وتحرص على استقرارها الداخلي، في مواجهة أن تتحول إلى ممر قسري لصواريخ عابرة لا ناقة لها فيها ولا جمل.
في ظل هذا المشهد، يثور سؤال قانوني مهم: هل يملك الأردن، أو أي دولة غير منخرطة في النزاع، الحق القانوني في اعتراض هذه الصواريخ ومنعها من عبور أجوائه؟
القانون الدولي العام لا يترك مجالا للشك فيما يخص الحق السيادي للدول في المجال الجوي؛ فقد نصت المادة (1) من اتفاقية الطيران المدني الدولي (شيكاغو 1944) على أن “لكل دولة سيادة كاملة وحصرية على المجال الجوي الذي يعلو إقليمها”.
وتشمل هذه السيادة كامل المجال الجوي فوق الأراضي والمياه الإقليمية، وبالتالي، فإن مرور أي صاروخ – حتى وإن لم يكن موجها للأردن – دون موافقته يُعد انتهاكا مباشرا لسيادته.
كما لا تقف قواعد القانون الدولي عند حدود السيادة، بل تُجيز للدول الرد المشروع على أي تهديد وشيك لأمنها القومي؛ فقد نصت المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة على ما يلي: “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا وقع اعتداء مسلح”.
وفي التفسير الموسع المعتمد دوليا، يدخل التهديد الفوري والوشيك ضمن نطاق هذه المادة ما دام يعرض الدولة لخطر جسيم، مثل مرور صاروخ موجه أو غير موجه فوق أراضيها، ومن ثم فإن قيام الأردن بإسقاط مثل هذه الصواريخ هو إجراء مشروع يدخل ضمن إطار الدفاع الشرعي وليس عدوانا، حتى في حال عدم استهدافه مباشرة.
إن الدول المحايدة ليست معفاة من حماية أجوائها، بل يُلزمها القانون الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة للحفاظ على حيادها؛ فقد نصت اتفاقية لاهاي الخامسة لعام 1907 بشأن حقوق وواجبات الدول المحايدة في الحرب البرية على أنه “يجب على الدولة المحايدة ألا تسمح باستخدام إقليمها، بما في ذلك مجالها الجوي، من قبل أي طرف من أطراف النزاع في عمليات عسكرية”.
ففي حال مرور صواريخ هجومية عبر الأجواء الأردنية، فإن التزام الأردن بالحياد لا يمنعه من رفض استخدام أراضيه أو سمائه في نزاع عسكري، بل يلزم باتخاذ خطوات ملموسة لمنع ذلك، ومنها اعتراض الصواريخ وإسقاطها إن لزم الأمر.
وفي حال تسببت هذه الصواريخ بوقوع أضرار على أراضي الدولة، فإن الدولة المتسببة تتحمل المسؤولية بموجب قواعد المسؤولية الدولية للدول، كما أقرتها لجنة القانون الدولي في عام 2001، والتي جاء في مادتها الأولى “تتحمل الدولة الدولية المسؤولية عن أي فعل غير مشروع دوليًا، وتلتزم بالتعويض الكامل عن الضرر الناتج عنه”.
ويشمل “الفعل غير المشروع” انتهاك السيادة، والتسبب بأضرار جسدية أو مادية على أراضي دولة أخرى، ما يعطي الأردن أو أي دولة تواجه مرور الصواريخ الحق في المطالبة بالتعويض، أو اللجوء إلى الإجراءات القانونية أو حتى طلب الدعم الأممي من مجلس الأمن إذا تطلب الأمر ذلك.
وبالتالي، لا يتعلق الأمر في جوهره بمجرد إسقاط صواريخ، بل بحماية مبدأ أساسي في النظام الدولي وهو سيادة الدولة ووحدة أراضيها وسلامة مجالها الجوي، ذلك أن تقاعس الدولة عن حماية أجوائها لا يُعد موقفا سلميا، بل يُمكن أن يُفهم كنوع من الإهمال السيادي.
ومن هنا، فإن قيام الأردن باعتراض أي صواريخ عابرة لأراضيه دون إذن، ليس فقط حقا مشروعا، بل واجب قانوني وأمني تمليه عليه نصوص القانون الدولي، من اتفاقية شيكاغو، إلى ميثاق الأمم المتحدة، إلى قواعد الحياد ومسؤولية الدول؛ فالدول قد لا تختار الحرب، لكن القانون يمنحها الحق في ألا تكون ضحية لها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة