تحرك روسي نحو إعادة هيكلة وجودها في أفريقيا تحت لافتة “فيلق أفريقيا”، يلاقي استجابات متباينة من دول القارة السمراء.
وفي أفريقيا الوسطى، حيث يُعدّ الوجود الروسي جوهريًا لبقاء النظام الحاكم، يتريث الرئيس فاوستين-أرشانج تواديرا كثيرًا في عملية استبدال قوات مجموعة فاغنر بـ”فيلق أفريقيا”.
فالرجل الذي بنى تحالفًا عسكريًا واستراتيجيًا مع “فاغنر” يرفض، حتى الآن، استبدالها، ما لم تقدّم موسكو ضمانات أمنية وسياسية واضحة.
في هذا السياق، قال الباحث في الشؤون الأمنية في أبيدجان، دومينيك كونوغا، لـ”العين الإخبارية”: “ما يفعله تواديرا ليس تمرّدًا على موسكو، بل مطالبة بحقوق سيادية”.
وأوضح أن فاغنر “حمت الدولة ولم يجرؤ أحد على التدخل، والبديل يجب أن يقدّم نفس القدر من الحماية والفعالية”.
من فاغنر إلى “فيلق أفريقيا”
وبعد مقتل زعيم فاغنر، يفغيني بريغوجين، بدأت موسكو تصفية تدريجية لوجود مجموعة فاغنر في أفريقيا، واستبدالها بـ”فيلق أفريقيا”.
“فيلق أفريقيا” هو وحدة قتالية جديدة تُشرف عليها وزارة الدفاع الروسية مباشرة. وتهدف الخطة إلى تقنين التدخلات العسكرية الروسية في القارة، ومنع تكرار سيناريو “المرتزقة الخارجين عن السيطرة”، وفق تقارير فرنسية.
وفي أفريقيا الوسطى، التي تُعدّ من أبرز الدول التي استضافت فاغنر، ترفض القيادة هذا التبديل، في ظلّ قناعة راسخة بأن النظام الأمني الحالي لا يمكن تعويضه بهذه السهولة، خصوصًا في ظلّ الهشاشة السياسية الداخلية.
مخاوف تواديرا
هنا، أشار دومينيك كونوغا إلى أن رئيس أفريقيا الوسطى، تواديرا، لا يرفض روسيا، بل يُصرّ على عدم التخلي عن البنية الأمنية التي أنقذت نظامه من السقوط في 2018 إثر اضطرابات داخلية.
وأوضح أن “الحرس الخاص” الذي شكّلته فاغنر يتمتع بولاء كبير له، وهو ما لم يثبت حتى الآن في هيكل “فيلق أفريقيا” الرسمي، الذي يخضع لتراتبية عسكرية تقليدية في موسكو.
ورأى الباحث السياسي المتخصص في شؤون أفريقيا الوسطى أن فاغنر تُدار في أفريقيا الوسطى كجهاز موازٍ، موضحًا أن “الكيان مهمته أن يحرس القصر، ويسيطر على الموارد، ويشرف على الإعلام، وحتى بعض الوزارات”.
وأضاف أن هذا النمط من السيطرة “يجعل استبدال المجموعة بـ’فيلق أفريقيا’ معقّدًا، لأنه يعني نقل النفوذ الروسي من رجال تواديرا إلى ضباط روس قد لا يعرفهم أو يثق بهم”.
الشروط الأمنية
وفق مصادر مقرّبة من دوائر صنع القرار في بانغي، فإن الرئيس طالب موسكو بأمور معيّنة قبل القبول باستبدال فاغنر، وهي: ضمان بقاء عناصر فاغنر الحاليين ضمن الهيكل الجديد، واستمرار الحماية الشخصية له عبر نفس العناصر، وعدم التدخل في قرارات تعيينات الأمن والاستخبارات، وتوقيع اتفاق دفاع جديد يضمن الدعم العسكري دون شروط سياسية مبالغ بها، بحسب مجلة “جون أفريك” الفرنسية.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي السنغالي في مركز غرب أفريقيا للبحوث الاستراتيجية في داكار، محمد أمادو سيكو، لـ”العين الإخبارية”: “الاستقرار في أفريقيا الوسطى مرتبط تمامًا بوجود روسيا”، موضحًا أن هذا الدعم “أثبت فعاليته، ولا ينبغي تغييره لمجرد الرغبة في تبديل الشكل”.
وتابع: “فيلق أفريقيا فكرة جيدة، لكن ليست بديلاً مضمونًا حتى الآن”.
ورأى أمادو سيكو أن استبدال فاغنر بوحدة رسمية كـ”فيلق أفريقيا” قد يحمّل الدولة أيضًا تكاليف أكبر، إذ يتم تمويل الفيلق عبر العقود الحكومية، في حين كانت فاغنر تحصل على امتيازات الموارد (الذهب، الماس) مباشرة.
وتابع: “كما أن فيلق أفريقيا قد لا يكون مستعدًا للعمل بنفس المرونة أو خوض مهام خارج البروتوكول، كما تفعل فاغنر”.
من الناحية السياسية، فإن تواديرا يدرك أن السيطرة على “أدوات القوة” تعني بقاءه، وأن التفريط في فاغنر الآن، بدون بديل مضمون، يُعدّ مخاطرة لا يتحمّلها رئيس بنى حكمه على معادلة صعبة، وفقًا للباحث السياسي السنغالي.
ورأى أمادو سيكو أن التحفّظ الحالي من الرئيس تواديرا ليس رفضًا لروسيا، بل رفضًا لتغيير النموذج الذي ضمن له الاستمرار في الحكم، موضحًا أن فاغنر ليست مجرد مجموعة أمنية، بل شبكة دعم متكاملة لا تُستبدل دون ثمن أو ضمانات.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg
جزيرة ام اند امز