قبل انعقاد مؤتمر COP30، سلط اجتماع بون 2025 الضوء على أبرز القضايا المناخية والتحديات البيئية، ممهدًا الطريق لمفاوضات حاسمة في البرازيل؛ فما أبرز المخرجات؟
انتهت نقاشات اجتماع بون 2025 بعد نحو 10 أيام من الاجتماعات المطولة والجدالات المستمرة حول أبرز الملفات في العمل المناخي؛ تمهيدًا لقمة المناخ التي من المقرر عقدها في بيليم بالبرازيل في نهاية عام 2025.
ويعد اجتماع بون مؤتمرا نصف سنوي بين مؤتمرين للأطراف، تُفتح فيه العديد من الملفات المناخية، لمتابعة التقدم المحرز وتقديم توصيات لمؤتمر الأطراف التالي.
أبرز المخرجات
خرجت العديد من القرارات، نذكر منها:
1- التكيف: معضلة غير محلولة
يشغل الهدف العالمي للتكيف (GGA) المادة رقم 7 من اتفاق باريس، وهو أحد الموضوعات المثيرة للجدل في أغلب محادثات المناخ؛ إذ أنه متوقف بصورة كبيرة على التمويل المناخي -وهو مشكلة أخرى لا تصل الأطراف لنتائج مرضية بخصوصها كل مرة- إضافة إلى أنّ التقدم المحرز في التكيف غير قابل للتقييم حتى الآن؛ فليست هناك مؤشرات واضحة كما هو الحال في التخفيف الذي يسهل تتبع التقدم فيه.
ولحل تلك المشكلة، عملت الأطراف على تحديد مؤشرات يمكن استخدامها لقياس التقدم المحرز في التكيف، وحددوا العام 2025 كموعد نهائي للوصول إلى مؤشرات محددة. وظل العمل قائمًا على تلك المؤشرات والذي وصل في وقت ما إلى 9 آلاف مؤشر، لكن في اجتماع بون لهذا العام، وصلوا إلى 490 مؤشر، وكان المطلوب أن تصل القائمة إلى 100 مؤشر كحد أقصى بحلول COP30. لكن ما زال العمل قائمًا على المؤشرات حتى أغسطس/آب المقبل للوصول بها إلى 100 مؤشر.
من جانب آخر، شكلّ التمويل الجماعي معضلة كبيرة وأثر على النقاشات؛ فتحقيق الهدف العالمي للتكيف يعتمد بصورة كبيرة على توفر التمويل المناخي اللازم لتشغيل خطط التكيف في الدل النامية، وبالفعل، كان التمويل الجماعي محورًا للنقاشات المتعلقة بالتكيف وأهدافه؛ وقد برزت الفجوة التمويلية تلك بعد COP29 في أذربيجان، والذي انعقدت عليه العديد من الآمال بشأن الهدف الجماعي الكمي الجديد (NCQG)، وطُرحت العديد من الأسئلة حول تمويل التكيف.
وفي هذا الصدد، شهدت بعض اللحظات في اجتماع بون انقسانات حول مبدأ السيادة؛ إذ طالبت الدول المتقدمة من الدول النامية الإفصاح عن حجم إنفاقاتها على التكيف وأشكال العمل المناخي الأخرى، لكن يرى الخبراء أنّ هذه ممارسة استعمارية؛ إذ ما زالت الدول المتسببة في التغيرات المناخية تُسبب أضرارًا ثم تجبر الدول المتضررة على الإفصاح عن إنفاقها.
يجدر بالذكر أنه في أثناء COP26 في غلاسكو بالمملكة المتحدة عام 2021، اتفقت الأطراف على مضاعفة تمويل المناخ المخصص لدعم التكيف بين عامي 2019 إلى 2025. لكن أظهر “تقرير فجوة التكيف 2024″، الصادر عن “برنامج الأمم المتحدة للبيئة” أنّ تدفقات التمويل للبلدان النامية قد ازداد من 22 مليار دولار عام 2021 إلى 28 مليار دولار في 2022، وتلك هي أكبر زيادة منذ اتفاق باريس، وأشار التقرير أيضًا إلى أنه من الصعب تحقيق هدف مضاعفة التمويل المطلوب وسد فجوة التكيف التي تُقدر بما يتراوح بين 187 إلى 359 مليار دولار.
ويبدو أنّ معضلة تمويل أهداف التكيف لن تنجح بحلول COP30 كما هو مرجو، وقد تُضطر الدول بدلًا عن ذلك إلى وضع هدف جديد لمضاعفة تمويل التكيف 3 مرات.
من زاوية أخرى، نظرت الأطراف في اجتماع بون إلى التقدم المحرز في خطط التكيف الوطنية (NAPs)، والتي ناقشتها الأطراف في أثناء COP29، وبسبب عدم الوصول إلى اتفاق مرضٍ، تم نقل مفاوضاتها إلى بون، لكن انتهى بها الحال بدون نص مرضٍ أيضًا.
2- التمويل المناخي: قضية خلافية
انعقدت الكثير من الآمال على COP29؛ لمناقشة التمويل المناخي، ووضع الهدف الكمي الجماعي الجديد (NCQG)، واتفقوا على توفير 300 مليار دولار سنويًا لتمويل العمل المناخي بحلول العام 2035. ويأتي هذا التمويل لمساندة الدول النامية للحد من انبعاثاتها الدفيئة والتكيف مع تفاقم مخاطر المناخ. مع ذلك، اتفقت العديد من الأطراف والمنظمات غير الحكومية على أنّ ذلك المبلغ غير كافٍ لمواجهة تحديات التغيرات المناخية. وما زاد الأمر حدة، هو تنصل العديد من الدول المتقدمة من الالتزامات المناخية، من بينهم ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، ولعل أبرزهم الولايات المتحدة الأمريكية التي يقودها ترمب بسياسات ضد المساعدات المناخية.
وفي بون، شكلّ التمويل المناخي القضية المحورية؛ إذ يتداخل مع مسارات التفاوض المختلفة بدءًا من التقييم العالمي وصولًا إلى خطط التكيف. لكن الجدل ظهر بسبب أنّ المادة 9.1 من اتفاق باريس تنص على أنّ الدول المتقدمة توفير التمويل المناخي للدول النامية، وجادلت الدول النامية بأنّ توفير التمويل المناخي قائم على القروض، ويجب أن يكون قائمًا على المنح، وهو ما عارضته الدول المتقدمة في بون، وطالبت بأن يتسع نطاق المساهمات في التمويل المناخي من الدول النامية الغنية ومصادر أخرى.
برزت بعض النقاشات المالية في بون حول “خارطة طريق باكو-بيليم”، بقيمة 1.3 تريليون دولار. وتُنسق رئاسة أذربيجان بالتعاون مع رئاسة البرازيل العمل على وثيقة خارطة الطريق على أن تكون جاهزة بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول القادم.
3- الانتقال العادل
شغل الانتقال للعادل طاولات النقاشات في بون؛ خاصة وأنّ النتائج التي خرجت من COP29 في هذا الصدد لم تكن مرضية، وخرجت الأطراف بدون اتفاق؛ فانتقلت الكرة إلى ملعب بون للنقاش قبل الانتقال إلى COP30؛ خاصة وأنّ الرئاسة البرازيلية جعلت تلك القضية على رأس أولوياتها.
بالفعل دارت العديد من النقاشات حول الخطوات التالية لتنفيذ خطة عمل مشتركة للانتقال العادل، وطُرحت بعض المقترحات حول استمرار برنامج العمل المشترك للانتقال العادل إلى ما بعد عام 2026. وأنّ هناك ضرورة لإنشاء آلية لتنظيم ذلك، وهي آلية عمل بيليم للانتقال العادل، ومن المقرر أن تُطرح تلك القضية بقوة في بيليم هذا العام.
4- الخسائر والأضرار
تمت الموافقة على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار في شرم الشيخ في مصر خلال الساعات الأخيرة من COP27، وفي اليوم الأول من COP28، تم إنشاء الصندوق في دولة الإمارات العربية المتحدة، وجاءت خطوة تفعيل الصندوق بعد سنوات طويلة من المطالبات والمحاولات من الدول المتضررة من التغيرات المناخية؛ خاصة الدول الجزرية الصغيرة وغيرها من الدول التي تعاني من مستويات مرتفعة من الخسائر والأضرار.
مع ذلك، لم يتلق الصندوق سوى 768 مليون دولار، ولم يُدفع سوى 339 مليون دولار، وتلك نسبة أقل من 0.2% من احتياجات الدول النامية في العام الواحد لتدارك الخسائر والأضرار. وفي أثناء COP29، لم تصل الأطراف لهدف تمويلي واضح يركز على الخسائر والأضرار. لذلك، تواصل الدول النامية الضغط للتركيز على الخسائر والأضرار في محادثات التمويل؛ خاصة وأنّ مراجعة آلية وراسو الدولية لم تنته مراجعتها في باكو؛ فهي تُراجع مرة كل 5 سنوات، وكان من المقرر أن ينتهي الأمر في باكو ولم يحدث، ما نقل المناقشات حولها إلى بون، مع ذلك، كان التقدم المحرز محدودًا، وفشل الأطراف في الاتفاق على نص مراجعة لآلية وراسو الدولية، واتفقت الأطراف في النهاية على إحالة مذكرة غير رسمية إلى COP30.
5- التخفيف
جرت المفاوضات في بون حول “برنامج عمل التخفيف” (MWP)، وتشاوروا في مسألة إنشاء منصة رقمية خاصة به. لكن كانت هناك بعض الادعاءات من تحالف الدول الجزرية الصغيرة (AOSIS)، والتي رأت أنّ البرنامج لا يحقق طموحات التخفيف المطلوبة، واتفقت معها بعض الأطراف من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
ظهرت بعض الخلافات أيضًا حول فكرة تطوير منصة رقمية؛ لأنّ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي لم تهيأ لهذا الغرض أو لمتابعة المشاريع والتمويل.
وانتهى الاجتماع ببعض الخلافات حول برنامج عمل التخفيف، والذي اعتبرته العديد من الأطراف بأنه بعيد كل البعد عن تعزيز طموحات التخفيف وتنفيذها خلال هذا العقد.
تتجه الأنظار إلى بيليم في نهاية 2025؛ خاصة مع ترك العديد من القضايا بدون حل واضح، ولعل أبرزها قضية التمويل، وهذا يعني أنّ الأطراف لديهم الكثير من الأعمال في بيليم.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز