تحقيق في علاقة ملتبسة.. هل يراهن «إخوان فرنسا» على اليسار الراديكالي؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



علاقة ملتبسة بين «فرنسا المتمردة» وشبكات الإسلام السياسي تثير قلقًا متصاعدًا في المشهد السياسي الفرنسي.

فقد طفا إلى السطح مجددًا الجدل القديم المتجدد حول العلاقة المثيرة للجدل بين اليسار الراديكالي الفرنسي، ممثلًا في حزب «فرنسا المتمردة»، وشبكات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان.

وبينما تسعى الحكومة ومكونات اليمين إلى احتواء تمدد هذا التقارب غير المعلن، يرى خبراء أن هذه العلاقة تُوظّف سياسيًا من الطرفين، بما يعيد طرح السؤال الحاسم: هل باتت المؤسسات الديمقراطية في فرنسا عرضة للاختراق الأيديولوجي باسم الدفاع عن الأقليات؟

لجنة تحقيق برلمانية

تشكّلت لجنة تحقيق برلمانية يوم 2 يوليو/تموز الجاري، بمبادرة من رئيس كتلة «الجمهوريين» لوران فوكييه، للتحقيق في «الروابط بين ممثلين سياسيين وشبكات تدعم الأيديولوجيا الإسلامية أو تبرر الإرهاب». وقد أُقرّ تشكيل اللجنة بأغلبية ضئيلة (29 مقابل 27) داخل لجنة القوانين بالبرلمان.

ورغم الاسم المحايد نسبيًا للجنة، إلا أن غالبية التحليلات السياسية في الصحافة الفرنسية، لا سيما صحيفة «لوجورنال دو ديمانش»، تشير إلى أن حزب «فرنسا المتمردة» بقيادة جان-لوك ميلانشون هو الهدف المباشر للتحقيقات.

وقد فجّرت اللجنة أولى الأزمات السياسية بعد استقالة النائبة الاشتراكية صوفي بانتيل من رئاستها فور تعيينها، احتجاجًا على ما اعتبرته «غياب التمثيل المتوازن لجميع الحساسيات السياسية» في المكتب التنفيذي.

إذ آلت المناصب القيادية إلى نواب من اليمين وأقصى اليمين، على غرار لوران جاكوبيللي (التجمّع الوطني)، وكارولين يادان (النهضة)، وفينسان جانبرون (الجمهوريون)، ما فجّر اتهامات بإقصاء اليسار وتعطيل التوازن الديمقراطي.

«فرنسا المتمردة».. تاريخ من التداخل مع الإسلام السياسي

ويرى الدكتور بنجامين روسييه، من مركز «مونتين» للدراسات الاستراتيجية في باريس، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن العلاقة بين حزب «فرنسا المتمردة» وشبكات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان، تطورت تدريجيًا خلال العقدين الأخيرين، لاسيما في الضواحي الحضرية الكبرى.

ويضيف أن الحزب صاغ خطابًا سياسيًا يستند إلى الدفاع عن حقوق الأقليات ومناهضة ما يُسمّى «الإسلاموفوبيا»، وهو خطاب يلقى صدى قويًا لدى قواعد شبابية من أصول مهاجرة، ما جعله منفتحًا على تحالفات غير رسمية مع شخصيات تتقاطع أطروحاتها مع الإخوان المسلمين.

ويشير روسييه إلى أن الحزب استثمر سياسيًا في قضايا مثل معارضة قانون «الانعزالية الإسلامية»، وانتقاد حظر الحجاب في المدارس، والتنديد بما يعتبره «عنصرية بنيوية للدولة».

وبرغم الصبغة الحقوقية الظاهرة لتلك المواقف، إلا أنها – وفق تحليل روسييه – تصب عمليًا في صالح السردية الإخوانية، الساعية إلى تقويض النموذج العلماني الفرنسي من الداخل.

ويخلص روسييه إلى أن لجنة التحقيق البرلمانية تمثل استجابة مباشرة لهذا القلق، في ظل ما وصفه بـ«تطبيع تدريجي» لوجود جماعة الإخوان داخل الحقل السياسي الفرنسي، خاصة في ظل ضعف الرقابة على تمويل الجمعيات الدينية.

لعبة الإخوان بين اليسار واليمين

من جانبها، ترى كلارا لوغريه، الباحثة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، في حديثها لـ«العين الإخبارية»، أن «جماعة الإخوان في فرنسا لا تراهن على حزب سياسي بعينه، بل تستثمر في الشقوق البنيوية داخل المشهد السياسي الفرنسي».

وتوضح لوغريه أن «التنظيم يدرك أن خطاب اليمين يتمحور حول الأمن والتشدّد في مواجهة الإسلام السياسي، بينما يتبنى اليسار الراديكالي خطاب (التمييز والعنصرية) والدفاع عن الحريات، وهو ما تستغله الجماعة ببراعة لتحقيق حضور مزدوج في السياقين».

ولفتت إلى أن «الحكومات اليمينية، كما في عهد نيكولا ساركوزي وإيمانويل ماكرون، اتخذت مواقف صدامية ضد التنظيم من خلال قوانين تنظيم الجمعيات الدينية، ومراقبة التمويل الخارجي، وإغلاق المساجد المخالفة».

وتابعت: «أما اليسار، وخاصة جناحه الراديكالي، فكان أكثر تحفظًا، خشية أن يُتهم بـ(قمع الحريات الدينية) أو (التمييز ضد المسلمين)».

وتؤكد لوغريه أن ما يحدث اليوم هو «لحظة مفصلية»، إذ بدأ الخطاب العام في فرنسا يتساءل عمّا إذا كانت هذه العلاقة الطارئة مجرد تكيّف انتخابي مؤقت، أم أن هناك بالفعل اختراقًا أيديولوجيًا متصاعدًا للمؤسسات الفرنسية من قبل جماعة تتبنى مشروعًا فوق وطني يتعارض مع أسس الجمهورية الفرنسية.

وتضيف أن: «فرنسا بحاجة إلى مراجعة استراتيجية شاملة حول حدود التعايش السياسي مع تيارات ترفض مبادئها الأساسية، وتعمل على إسقاطها من الداخل».

مواقف من داخل «فرنسا المتمردة»: اتهامات مضادة

في المقابل، وصف النائب إيميريك كارون، عن حزب «فرنسا المتمردة»، ما جرى بـ«الدهس المتعمّد للديمقراطية»، واعتبر أن لجنة التحقيق تحوّلت إلى منصة لـ«مطاردة سياسية تستهدف المعارضين».

أما النائب هادريان كليوي، فقال إن اللجنة تتجاهل ما وصفه بـ«الروابط القديمة لليمين الفرنسي مع تيارات متطرفة أخرى»، بحسب ما نقلته صحيفة «لوجورنال دو ديمانش».

aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز FR



‫0 تعليق

اترك تعليقاً