في مدينة أسوان، ومن قلب مركز الحصايا الشعبي، بدأت الحكاية لطفل صغير لا يعرفه أحد خارج حدود قريته، لكنه يحمل بين قدميه موهبة استثنائية.
لم يكن لأهله علم بموهبته الكروية، لكن القدر كان قد بدأ يُمهّد طريقًا طويلًا سيعبر به إلى قلوب ملايين من جماهير الزمالك.
من شوارع أسوان إلى مدرسة الموهوبين، ومن هناك إلى الزمالك، ثم إلى أوروبا والخليج، وفي كل محطة كان له بصمة، وكان له جمهور خاص به يشجعه.
وبعد أكثر من عقدين من التألق والبطولات، والمواقف السلبية والإيجابية، وفي لحظة وداع امتزجت فيها دموعه بدموع محبيه، كتب شيكابالا السطر الأخير في قصته مع كرة القدم.
نشأ اللاعب في مركز الحصايا بمحافظة أسوان، ويعود الفضل في بدايته مع نادي أسوان إلى الكابتن نوري وأشرف جمعة، اللذين كانا لهما دور كبير في اكتشاف موهبته، لم يكن أفراد أسرته يعلمون بموهبته الكروية، إلا أنه التحق بمدرسة الموهوبين، حيث كان يتم التدريب وتوفير الوجبات ثلاث مرات أسبوعيًا.
موهبة من الجنوب
بعد مشاركته في بطولة أُقيمت بمدينة بورسعيد، خضع لاختبارات الموهوبين في القاهرة، ونجح فيها رغم صغر سنه، حيث لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره.
التقى الدكتور عبد المنعم عمارة، الذي نصحه بالتوجه إلى الإسماعيلية، وبعد تألقه هناك، أبلغه الكابتن أشرف جابر بضرورة الانضمام إلى نادي الزمالك.
كان صديقه أحمد إبراهيم يتدرب في الزمالك أيام الخميس والجمعة، واصطحبه ذات مرة إلى التمرين، حيث لفت الأنظار بعد مشاركته، وأوصى المدربون بضمه فورًا إلى النادي.

عند عودته إلى أسرته، أخبر والده، المعروف بتشجيعه المتعصب للزمالك، وكذلك أشقاؤه، باستثناء أحدهم الذي كان يشجع الأهلي، لكنه غيّر انتماءه لاحقًا.
تألق مع فريق الزمالك للناشئين، وحقق بطولة الجمهورية، وتُوج بلقب الهداف.
فريق شيكابالا
منذ سن السادسة عشرة، تولّى الكابتن سعيد الجدي تدريبه، حتى تم تصعيده إلى الفريق الأول على يد الكابتن نبيل نصير، الذي احتضن موهبته، وكان يطلق على هذا الجيل “فريق شيكابالا”.
في إحدى المرات، واجه مع زميله أحمد عبد الرؤوف ضائقة مالية حالت دون ذهابهما إلى التدريب، فاضطر الأخير إلى بيع ساعته بجنيه واحد لتأمين تكلفة الانتقال.
شارك مع منتخب مصر للشباب، وهناك لفت أنظار المدير الفني البرازيلي كابرال، الذي أوصى بانضمامه لتدريبات الفريق الأول رغم كونه لا يزال لاعبًا في الناشئين.

عندما تلقى اتصالًا من النادي لإبلاغه بالانضمام إلى تدريبات الفريق الأول، اعتقد بداية أن الأمر مزحة، لكنه تأكد لاحقًا من صحة الدعوة.
التحق بالمعسكر وشارك في أول مباراة رسمية أمام غزل المحلة ضمن بطولة الكأس، وتمكن من تسجيل هدف في اللحظات الأخيرة من المباراة.
عند عودته إلى مقر النادي بعد المباراة، رفض مسؤول النُزل السماح له بالدخول، لعدم علمه بمشاركته مع الفريق الأول، ما اضطره للاتصال بإداري الفريق لحل الموقف.
الرحيل إلى اليونان
نصحه مدرب الفريق آنذاك بأنه لا يجب أن يستمر في الدوري المصري، وأن عليه أن يسافر، وهو ما دفعه للانتقال إلى نادي باوك اليوناني، حيث ارتدى القميص رقم 10 المفضل له، بعدما كان يرتدي الرقم 30 خلال فترته الأولى مع الزمالك.

عاد إلى مصر لكنه لم يتمكن من مغادرتها مجددًا بسبب ظروف التجنيد، فحاول العودة إلى نادي الزمالك، وتردد على مقر النادي خمس مرات، دون أن يُقابله أحد أو يتم الالتفات إليه، تواصل بعد ذلك مع عدلي القيعي، وأبلغه صراحةً بأنه مشجع زمالكاوي، ورغم انضمامه حينها إلى الأهلي، فقد خاض أول تدريباته بقميص أبيض، في إشارة واضحة إلى انتمائه.
وعندما عاد ممدوح عباس إلى رئاسة نادي الزمالك، قرر اللاعب العودة فورًا، رغم أن عقده مع النادي اليوناني لا يزال ساريًا، مما أجبره على الابتعاد عن الملاعب لمدة ستة أشهر.
وقدّر الأهلي موقفه، فأعاد العقود، في حين قام الزمالك بدفع قيمة الغرامة المقررة، ليعود اللاعب إلى صفوف الفريق مجددًا.
وقتها، كان الزمالك يحتل المركز الثاني عشر في جدول الدوري، إلا أن وجوده مع زميله جمال حمزة، باعتبارهما من أبناء النادي، ساهم في إحداث تحول كبير، ونجح الفريق في إنهاء الموسم في المركز الثاني.
رفع الحذاء
قدّم شيكابالا بدايةً رائعةً، وسرعان ما حجز مكانه في التشكيلة الأساسية للمدرب هنري ميشيل، ليحل تدريجيًا محل أسطورة النادي حازم إمام.
في 2 يوليو 2007، سجل شيكابالا هدفه الأول في مرمى الأهلي في نهائي الكأس التي انتهت بنتيجة 4-3 لصالح الأحمر، مع بداية موسم 2007-2008، عانى الأبيض في الدوري، ودخل شيكابالا في أولى الأزمات بعد أن هتفت جماهير الأهلي ضده بألفاظ نابية، ليرفع حذاءه لهم.

ومع ذلك، أنهى الأبيض الموسم فائزًا بالكأس، وهي أول بطولة للنادي منذ 4 سنوات.
غاب شيكابالا عن بداية موسم 2008-2009 بسبب الإيقاف من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بسبب انتقاله غير القانوني، وعاد في أواخر نوفمبر بأداء جيد، لكن الزمالك عانى مرة أخرى ليحتل المركز السادس في الدوري، ويخسر أمام اتحاد الشرطة لينهار شيكابالا بالبكاء.

لم يكن الموسم التالي مختلفًا حتى عيّن الزمالك حسام حسن في ديسمبر 2009، وتحت قيادة التوأم، نضج شيكابالا أخيرًا كلاعب وقدم مستويات رائعة.
في موسم 2010-2011، قاد شيكابالا وحسام حسن الزمالك إلى صدارة جدول الترتيب لأول مرة منذ سنوات، ظل الزمالك في الصدارة حتى المراحل الأخيرة من الموسم قبل أن يتراجع مستواه وينتهى الأمر بالأهلي فائزًا بالدوري للموسم السابع على التوالي، على الرغم من أن شيكابالا أنهى الموسم هدافًا برصيد 13 هدفًا وكان له تمريرتان ضد الأهلي في الديربي.
رفضت الإدارة العديد من العروض له، أبرزها أندرلخت وجعلته اللاعب الأعلى أجرًا في تاريخ مصر.

كذبة نابولي
وبعد حادثة بورسعيد في فبراير 2012، حرص على المشاركة في الجنازات، وظهر وهو يبكي بحرقة في العزاء، مؤكدًا دعمه الكامل لأسر الشهداء.
كما رفض لعب مباراة الإسماعيلي احترامًا لأرواح الضحايا في لفتة إنسانية رائعة، وظهر على قناة الأهلي ليفتح صفحة جديدة مع جمهور الأحمر.
عاد شيكابالا لمشاغباته المعهودة، ودخل في مشادة مع حسن شحاتة المدرب التاريخي لمنتخب مصر عام 2012، وقرر شحاتة استبعاده من التشكيلة الأساسية وطلب بيعه فورًا، إلا أن مجلس إدارة الزمالك حاول إيجاد حل لإبقاء شيكابالا مع الزمالك ليرحل مدرب الفراعنة السابق.
في يونيو 2012، وافق الزمالك على عرض إعارة من نابولي الإيطالي مقابل 1.8 مليون يورو.
وبعد أيام قليلة، لم يُعلّق نابولي على الصفقة، مما أثار جدلًا واسعًا، ليصرّح النادي الإيطالي بأنه مهتم باللاعب فقط، لكنه لم يُقدّم عرضًا رسميًا، بينما صرّح مدرب نابولي بأنه لا يعلم شيئًا عن الصفقة.
وكشفت تقارير إعلامية إيطالية أن هذه مجرد شائعة أخرى، حتى أن خبير سوق الانتقالات الإيطالي جيانلوكا دي مارزيو وصفها بأنها “كذبة أبريل التي تأخرت شهرين”.
وذكرت عدة تقارير صحفية أن أندية لخويا القطري، والشباب واتحاد جدة السعوديين، وفاسلوي الروماني، وشتوتجارت الألماني، وإسبانيول الإسباني، ونابولي، ونظرائهم الإيطاليين أودينيزي، جميعهم يتنافسون على توقيع شيكابالا.
لفتة ميتسو
في أواخر يوليو، عرض نادي الوصل الإماراتي 600 ألف يورو مقابل إعارة لمدة عام واحد لشيكابالا، إلا أن الزمالك رفض العرض، وطلب 1.5 مليون دولار.
وبعد مفاوضات طويلة، انتقل مقابل 1.25 مليون دولار، وفي أول ظهور غير رسمي له في مباراة ودية ضد نادي الشباب العماني، صنع هدفي الوصل في مباراة انتهت بالتعادل 2-2. أما أول ظهور رسمي له فكان ضد نادي الاتحاد.
في أول ظهور له في الدوري ضد الوحدة، سجل هدفًا وصنع آخر في فوز الوصل 4-1.
بعد استقالة مدرب الوصل السابق كريم ميتسو من تدريب الوصل بسبب سرطان المعدة، سجل شيكابالا هدفا، وذهب على الفور إلى صورة ميتسو على جانبي الملعب، ونالت تحية شيكابالا لميتسو إشادة جماهير الوصل، وأهل الإمارات، ووسائل الإعلام.

بعد خسارة ساحقة بنتيجة 5-0 أمام نادي العين، ظهر شيكابالا بعد أيام قليلة برفقة النجم تامر حسني، خلال إحدى حفلاته في الإمارات، وأثار هذا الأمر غضب العديد من جماهير الوصل وخيبة أمل مجلس إدارة النادي، خاصةً في ظل تعرض ناديه لأسوأ هزيمة هذا العام.
وتعرض نجم الوصل لإصابة، ليغيب عن الملاعب لمدة شهر بسبب إصابة في الفخذ، سافر شيكابالا إلى مصر لتلقي العلاج، لكنه لم يعد إلى دبي في الموعد المحدد.
أبدى النادي غضبا شديدا لعودته المتأخرة، والتي جاءت بعد أيام من الموعد المتوقع، لينهى الوصل عقد الإعارة.
منحة لشبونة
وفي مارس 2013، أبدى فواز الحساوي، رئيس نادي نوتنجهام فورست الإنجليزي، اهتمامًا كبيرًا بالتعاقد مع اللاعب في الميركاتو الصيفي.
شارك شيكابالا لأول مرة في مباراة بدوري أبطال أفريقيا في يوليو 2013 ضد الأهلي في الدقيقة 57، ثم شارك في جميع المباريات الست في دور المجموعات بدوري الأبطال، مسجلاً هدفين وصنع مثلهما.
وشارك الزمالك في كأس مصر 2013، وقاد الأبيض للفوز بلقب الكأس بعد فوزه 3-0 على وادي دجلة.
في نهاية ديسمبر 2013، أثار شيكابالا جدلًا بعد تهديده بفسخ عقده مع الزمالك بسبب مستحقاته المتأخرة التي بلغت نحو 5.5 مليون جنيه.
وفي 5 يناير 2014، فسخ اللاعب عقده رسميًا مع النادي، مما أثار غضب الجماهير.
ورغم الشائعات حول انتقاله لأندية أوروبية، قرر التوقيع للزمالك مجددًا ليساعده ماليًا من خلال بيعه، لينضم إلى سبورتنج لشبونة البرتغالي مقابل 700 ألف دولار، بعد مفاوضات صعبة انتهت قبل دقائق من غلق باب الانتقالات.
انضم شيكابالا إلى سبورتينغ لشبونة وارتدى القميص رقم 7، وشارك لأول مرة مع الفريق الرديف في فبراير 2014، لكنه خرج مبكرًا بسبب إصابة في الكاحل.

اقتصرت مشاركاته على عدد محدود من المباريات، أبرزها هدف في كأس بيدرو باوليتا، لاحقًا، ظهرت تصريحات سلبية من ممثله عن سلوكه، ورد النادي ببيان دفاعي.
وفي سبتمبر 2014، غادر شيكابالا إلى مصر للانضمام للمنتخب ولم يعد بعدها إلى البرتغال.
عاد شيكابالا إلى الزمالك في أغسطس 2015 بعد تجربته مع سبورتينغ لشبونة، ووقع عقدًا لخمس سنوات، لكنه أُعير مباشرة إلى الإسماعيلي بسبب اكتمال قائمة الفريق، وأكد أنه يتمنى الاعتزال بقميص الدراويش، لكن بعد موسم واحد، عاد إلى الزمالك كقائد للفريق.
أُعير مجددا إلى الرائد السعودي في موسم (2017-2018) ثم إلى أبولون سميرني اليوناني في 2018، قبل أن يعود مجددًا للزمالك في يونيو 2019.
مشوار دولي متقلب ونهاية الرحلة مع الزمالك
وبدأ شيكابالا مشواره الدولي مع منتخب مصر عام 2007، وشارك في كأس الأمم الأفريقية 2010، لكنه قرر الاعتزال الدولي.
وعاد مجددًا في 2012 تحت قيادة بوب برادلي، وشارك في التصفيات المؤهلة لأمم أفريقيا 2014، ثم غاب 3 سنوات قبل أن يعود في 2017 ويسجل ضد غانا في تصفيات كأس العالم، تم اختياره ضمن قائمة مونديال روسيا 2018، وعلى الرغم من قلة مشاركاته، ترك بصمة مميزة مع المنتخب.
وبالعودة إلى مسيرته مع الزمالك، في فترته الثالثة مع الأبيض، قاد الفريق لتحقيق عدد من البطولات المحلية والقارية، من أبرزها الدوري المصري (مرتين)، كأس مصر، كأس السوبر المصري، كأس السوبر الأفريقي، وكأس الكونفدرالية، وكان قريبا من الفوز بدوري أبطال أفريقيا قبل أن يخسر الأبيض نهائي القرن أمام الأهلي في عام 2020.
في عام 2024، توج شيكابالا مع الزمالك بلقب كأس السوبر الأفريقي بعد الفوز على الأهلي بركلات الترجيح 4-3، عقب التعادل 1-1 في مباراة شهيرة أُقيمت على ملعب المملكة أرينا بالرياض.
وكان هذا هو لقبه الثالث في البطولة، والخامس للزمالك تاريخيًا، وأنهى شيكابالا مسيرته بلقب كأس مصر 2024-25، قبل أن يُعلن اعتزاله كرة القدم أمس عبر برنامج “الكرة مع فايق، ليختم مشوارًا كرويًا مميزا امتد لأكثر من 20 عامًا، حصد خلاله 18 بطولة مع نادي الزمالك.
