“إن الخطر على أي مجتمع وعلى كل شخص هو العيش في الأوهام، كلنا نفعل ذلك بينما نعزل أنفسنا عن الآخرين، يجب على المجتمعات والأفراد قبول الواقع كما هو مُعطى ومكشوف”.. الكاتب الكندي جان فانيه في كتابه “المجتمع والنمو”.
لا يمكن الجزم بأن المنطق والعقلانية هما اللذان يحكمان علاقة المشجع بناديه، فأين هذا أو ذاك عندما يزحف المحب وراء مجموعة من اللاعبين يرتدون نفس الشعار الذي يحمله في شتى بلاد العالم دون استفادة حقيقية على أرض الواقع؟
يتراجع المنطق وتطفو العاطفة بدلًا منه نحو السطح، وتبدأ الآراء المدفوعة بالتفكير الوجداني في الظهور والانتشار.
تدعيم ضخم
قبل انطلاق بطولة كأس العالم للأندية 2025 في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى مدار ما يقارب العام، أعلنت إدارة النادي الأهلي عن عدة تدعيمات لصفوف الفريق.
رحل السويسري مارسيل كولر المدير الفني بعد الإخفاق الإفريقي والخروج من نصف نهائي دوري الأبطال أمام صنداونز، وحل بدلًا منه الإسباني خوسيه ريبيرو.
أبرم الأحمر عدة صفقات، مثَل كل لاعب منهم حلمًا للجماهير في فترة من الفترات، خاصة لاعبي الزمالك السابقين، أحمد سيد “زيزو” وأشرف بنشرقي، والتي استهلكت خزائن النادي بمقدار ما رفعت من طموحات الجماهير.
الأهلي بدأ الإعداد للبطولة بعودة ثنائية لنجمين سابقين، حمدي فتحي على سبيل الإعارة، وشراء محمود حسن “تريزيجيه”، ومن ثم توالت الصفقات حتى وصلنا إلى محمد علي بن رمضان الذي سعى الأحمر مرارًا إلى الظفر بخدماته.
تبدو السطور الماضية وما تحملها من تدعيمات كافية لمواجهة السيناريوهات التي عانى منها الجماهير خلال البطولات القارية.
هناك من سيسجل فرص محمود عبد المنعم “كهربا” الضائعة أمام فلومينينزي البرازيلي وباتشوكا المكسيكي بكأسي العالم للأندية والإنتركونتنينتال.
أحدهم سيواجه سرعات لاعبي بالميراس، وسيأخذ بثأر مواجهة الفريقين في مونديال 2021، فالفرصة ستسنح في ثاني المواجهات بنسخة 2025.
مشاركة مخيبة للآمال
الآن وبعد أن أصبح الجميع على أهبة الاستعداد لمشاركة تاريخية منتظرة للأهلي في محفل قاري اعتاد على المشاركة به، هل ارتقت المشاركة قدر الأحلام الوردية دومًا للجماهير؟ يمكننا استمداد إجابة تتفق عليها غالبية الجماهير من تعليق الناقد الرياضي خالد بيومي عبر قناة أبو ظبي الرياضية:
“من المفترض أن الأهلي هو الفريق الأكثر جاهزية في إفريقيا كلها والأكثر إنفاقا، تأثيرًا وشعبية، وكثير من الناس كانت تعول على تأهله من دور المجموعات”.
تصريحات بيومي تشابهت مع الرأي السائد بين عدد كبير من مناصري الأهلي سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى في أحاديثهم الجانبية بالشوارع والأماكن العامة، فهل حقًا الأهلي أخفق في مهمته الحالية أو النسخ الأخيرة من المونديال؟
“إذا شارك الأهلي في الدوري الألماني سينهي الموسم بين المركزين الـ8 والـ12 وسيكون من الصعب هزيمته”.
نبوءة فايلر
كانت تلك كلمات السويسري رينيه فايلر المدير الفني الأسبق للفريق لصحيفة “كيكر” الألمانية، والتي لم تلاقِ قدرًا كبيرًا من الاستحسان بين الجماهير، لما شعرت في التصريح من تقليل لناديها.
إذًا، هل قصد فايلر التقليل من الأهلي حسبما رأت جماهيره؟ وهل كلمات جان فانيه في مقدمة التقرير كانت شاهدة على مشجعي الأحمر؟
منافسة مادية
يرى البعض أن ميركاتو الأهلي “تاريخي”، ليس فقط بالنسبة للأهلي، بل للدوري المصري والقارة السمراء بشكل عام، ووصلت قيمة الصفقات إلى 4.7 مليون يورو بحسب موقع ترانسفير ماركت، بخلاف فاتورة المرتبات المرتفعة للصفقات الجديدة، وما سيتعبها من تغيير في الأخرى الخاصة باللاعبين الحاليين بالفريق مع تجديد تعاقدهم.
وبالنظر إلى بورتو منافس الأهلي في المجموعة، نجد أن مصروفاته وصلت إلى 56.7 مليون يورو، و88.5 قمة نفقات بالميراس.
وحتى إذا نظرنا إلى مصروفات إنتر ميامي خلال الموسم السابق، والذي يعد على الورق الأضعف في المجموعة، قبل تحقيق مفاجأة التأهل كمتصدر، نجده قد أنفق 5.2 مليون يورو.
سوء التأسيس
الأرقام الأخيرة توضح الفوارق المادية الضخمة بين الأهلي ومنافسيه في نفس المجموعة بالمونديال، وهي ما لا تقل عن الفوارق الفنية بين اللاعبين أيضًا، وهو ما أشار له أحمد حسام “ميدو” نجم الزمالك السابق، في إحدى تصريحاته التي واجهت هجومًا واسعًا بشأن سوء تأسيس لاعبي الأهلي.
“حزنت أثناء مشاهدة مباراة الأهلي أمام بالميراس ورؤية لاعبي الأحمر وهم لا يستطيعون القيام بأساسيات الكرة، والموضوع لا يتعلق بالأهلي أو الزمالك، فتلك مشكلة في الدوري المصري بشكل عام”.. ميدو عبر قناة “السعودية”.
هل تصريحات ميدو كانت قاسية بالفعل؟ لنعد إذًا إلى إحصائيات المباراة ونرى بأنفسنا:
لاعبو بالميراس طلبوا الحصول على الكرة بنصف ملعب المنافس في 164 مرة، ولكن هل تعلم على الجانب الآخر كم مرة حدث الأمر بالنسبة لنظائرهم في الأهلي؟ 62 مرة فقط.
وبشكل عام، تمريرات الأهلي الصحيحة في المباراة كانت أقل من نصف مثيلتها للاعبي الفريق البرازيلي.
ولم تختلف الفوارق بين محاولات اختراق الخطوط الناجحة مع التمريرات، 77 محاولة ناجحة لفريق خوسيه ريبيرو مقابل 115 للمنافس.
بالطبع لا يمكن الاعتماد بشكل كلي على الإحصائيات، ولكنها تمهد لك الطريق للاستدلال حول قرارات اللاعبين على أرض الملعب، والذي كان واضحًا للعيان في كافة المباريات الرسمية التي خاضها الأهلي أمام الأندية الأوروبية واللاتينية.
رفع الطموحات
ما ذكرناه في السطور الأخيرة لم يكن انتقاصًا من قيمة الأهلي، النادي التاريخي على المستوى الأفريقي والعربي، وإنما محاولة وضع الأمور في نصابها الصحيح.
فرفع طموحات الجماهير بشكل كبير يؤدي لنتائج عكسية، وسيكون من غير المنطقي تقييم مدرب أو صفقة جديدة في محفل قاري تواجه خلال منافسين متفوقين على المستوى الفني والمادي بشكل كبير، أو كما كما يقول فانيه: “ يجب على المجتمعات والأفراد قبول الواقع كما هو مُعطى ومكشوف”.