الحزب الديمقراطي والجدل بين الرأسمالية والاشتراكية

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



يبدو أن الولايات المتحدة ستشهد حدثًا نوعيًا في نيويورك خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

فقد أحدثت الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، التي فاز بها زهران ممداني للمنافسة على منصب عمدة ولاية نيويورك، ضجة غير مسبوقة في الوسط السياسي الأمريكي.

والسبب وراء ذلك هو انتماءات ممداني الفكرية غير المقبولة لدى شريحة واسعة من الأمريكيين. وعلى وقع هذه الضجة الفريدة، توسع النقاش حول مستقبل هوية الحزب الديمقراطي، خصوصًا مع تنامي المؤيدين للاشتراكية بين أعضائه.

وهنا يبرز سؤالان مهمان، هما: ما هي فرص فوز ممداني في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2025؟ وما تأثير ذلك على مستقبل الساحة السياسية الأمريكية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في نوفمبر/تشرين الثاني 2026؟

إن مسألة انتخاب عمدة ولاية نيويورك لها دلالة مهمة، وذلك بسبب مكانة نيويورك الاقتصادية من ناحية، ووجود شريحة واسعة من اليهود – لا سيما في بروكلين ومانهاتن – من ناحية أخرى.

ولعلّ الحيثيات التي توافرت في المشهد الانتخابي عبر تحالف ممداني مع براند لاندر، الذي انسحب من الانتخابات ووجّه ناخبيه بدعم الأول، ستشكل مسارًا جديدًا في واقع الساحة السياسية الأمريكية.

لاندر ينتمي للطائفة اليهودية، وهو المراقب المالي للولاية، والخطوة التي قام بها اعتبرها المراقبون بمثابة التحالف الإسلامي-اليهودي داخل الحزب.

ولعل من المهم الإشارة إلى أن هذا السلوك أصبح توجهًا جديدًا متصاعدًا بين التقدميين داخل الحزب الديمقراطي، وذلك بسبب آلية التصويت التفضيلي التي أدت إلى زيادة التعاون داخل الجناح الليبرالي-الاشتراكي بالحزب.

وعلاوة على مسألة التحالفات، فإن ممداني يحظى بدعم مناوئي ترامب البارزين، كالسيناتور بيرني ساندرز، والنائبة التقدمية ألكسندريا أوكازيو كورتيس.

كما أن دعم ممداني العلني لـ«الاشتراكية الديمقراطية» ضمن الجناح اليساري للحزب، أدى إلى زيادة مؤيديه، خصوصًا مع وعوده الانتخابية الملامسة للحياة اليومية للمواطن، كتوفير حافلات مجانية، والرعاية الشاملة والمجانية للأطفال، وغيرها.

وعلى الرغم من التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظي بها ممداني، وتفاؤل الديمقراطيين به، فإن التحديات التي سيواجهها في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2025 ستكون مثيرة، خصوصًا مع عدم الارتياح المتبادل بينه وبين الرئيس دونالد ترامب.

فبعد الفوز الذي حققه ممداني، وصفه ترامب بـ«الشيوعي المجنون»، وتنامت أصوات الجمهوريين الذين شبهوا فوزه بأحداث الحادي عشر من سبتمبر.

ونشر البعض الآخر تمثال الحرية وهو يرتدي «النقاب» في إشارة إلى أن نيويورك ستواجه الإسلام المتشدد – حسب وجهة نظرهم – مع ممداني. وبناء على هذه المعطيات، فإن الصدام الجمهوري-الديمقراطي قبل وبعد نوفمبر/تشرين الثاني القادم لا محالة، خصوصًا أن ولاية نيويورك تاريخيًا محسوبة على الديمقراطيين.

فمنذ عام 1900 إلى 2025، تقلد منصب عمدة الولاية 14 ديمقراطيًا، و4 جمهوريين، واثنان مستقلان. وهذا الأمر بطبيعة الحال يعني أن مسألة فوز ممداني في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل مطروحة وبقوة، أي أن الساحة السياسية الأمريكية ستشهد صدامًا بين الولاية والحكومة الفيدرالية.

إن تصريحات الرئيس ترامب، وتهديده بوقف تمويل ولاية نيويورك، لا شك أنها ستزيد من نسبة مناوئي ترامب لدى مؤيدي الحزب الديمقراطي. هذا الأمر ستطول تداعياته الانتخابات النصفية للكونغرس التي ستُعقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2026. ففي الوقت الحالي، يحظى الجمهوريون بأغلبية مقاعد مجلسي الكونغرس، بواقع 220 للجمهوريين مقابل 212 للديمقراطيين (وثلاثة مقاعد شاغرة بسبب حالات وفاة وأسباب أخرى) في مجلس النواب، وبواقع 53 للجمهوريين، و45 للديمقراطيين، واثنين مستقلين، في مجلس الشيوخ.

الأغلبية التي يحظى بها ترامب في الكونغرس قد تكون مهددة بعد الانتخابات النصفية القادمة، وذلك في ظل تنامي الخطاب المضاد لسياساته. وهذا التهديد سيتمثل بزيادة نسبة المشاركة في الانتخابات النصفية بين مؤيدي الحزب الديمقراطي، ما قد يُفقد الجمهوريين أغلبيتهم. وأي تغيير من هذا القبيل لا شك أنه سيؤثر على المسار التشريعي في البلاد، وهو الأمر الذي سيعرقل سياسات ترامب في الداخل.

وفي المحصلة، فإن تصاعد الخطاب الاشتراكي يُنذر بخطورة التغيرات التي تمر بها الولايات المتحدة. وأن تشهد ولاية مثل نيويورك، ذات السمعة القوية في عالم الرأسمالية، قدوم عمدة «اشتراكي»، فإن ذلك يعني أن التوجهات الفكرية في الداخل الأمريكي ستختلف في الفترة المقبلة. والسؤال الذي يبرز هنا: هل الحرب الأيديولوجية التي كانت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، سنشهدها بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إن لم يكن سياسيًا فاقتصاديًا على الأقل؟

الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة



‫0 تعليق

اترك تعليقاً