في زمن تتسارع فيه التحولات الرقمية وتتشابك فيه الأيديولوجيات، لم تعد جماعة الإخوان تكتفي بالشعارات القديمة والخطابات التقليدية، بل طوّرت أدواتها لتتسلل إلى عقول الشباب.
هؤلاء الشباب، بحسب خبراء فرنسيين تحدثوا لـ«العين الإخبارية»، باتوا عرضة لما يمكن تسميته بـ”الاستقطاب الهادئ” الذي يتغذى على الهشاشة الفكرية وضعف المناعة التعليمية.
الدكتور هشام عبدالجواد، المتخصص في علوم الأديان وصاحب كتاب “الإسلام بين الإيمان والعقلانية”، قال في مداخلة عبر إذاعة “فرانس كيلتور”، إن “الشباب المسلم في فرنسا مهدد بشكل متزايد بالانجراف نحو الأيديولوجيات الراديكالية التي تروج لها جماعات مثل الإخوان وبعض الجمعيات التابعة لها”.
وأكد عبدالجواد أن الرد على ذلك “يجب ألا يكون أمنيًا فقط، بل معرفيًا وتربويًا قبل كل شيء”.
وشدد على ضرورة تعزيز الفكر النقدي والتربية العقلانية لفهم النصوص الدينية خارج الأطر العقائدية الجامدة، معتمدًا على أدوات التحليل التاريخي والعلوم الإنسانية.
وقال إن “المعركة الحقيقية ليست فقط ضد الجماعات المتطرفة أو الإرهابية، بل ضد الجهل، وضد القراءات المختزلة للنصوص، التي تنزع إلى تحويل الدين إلى أيديولوجيا سياسية”.
خطاب مزدوج
في هذا السياق، رأى الباحث السياسي جان-مارك بيلانجيه، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن تنظيم الإخوان يعتمد على خطاب مزدوج يجمع بين الشعارات المدنية الظاهرية والمرجعيات العقائدية الحصرية.
وأوضح بيلانجيه: “من خلال شبكة من الجمعيات الثقافية والخيرية والتعليمية، يسعى الإخوان لتقديم أنفسهم كحماة للهوية الإسلامية في فرنسا، ويوجهون خطابًا متعاطفًا مع قضايا التهميش والعنصرية، ليجذبوا بذلك فئات من الشباب الذين يشعرون بالانعزال عن النموذج الجمهوري الفرنسي”.
وتابع بيلانجيه أن ما يُعرف بـ”خطاب الضحية” يلعب دورًا مهمًا في التأثير النفسي، مشيرًا إلى أن “الشاب الذي يشعر بأنه غير مقبول كمواطن فرنسي كامل الحقوق، يصبح أكثر عرضة لتقبل خطاب يقدّم له الانتماء الإسلامي كبديل عن الانتماء الوطني”.
لكنه أكد أن هذا الاستقطاب ليس فقط دينيًا، وقال إن “الدافع نحو الانخراط في هذه الحركات ليس دائمًا دينيًا خالصًا، بل يتقاطع فيه البعد النفسي، والاجتماعي، وحتى الاقتصادي”.
ووفق الباحث الفرنسي، فإن الإخوان يقدمون أنفسهم كمنظومة دعم وهوية جاهزة في ظل غياب بدائل قوية في المدارس أو الفضاء المدني.
الحل الجذري
أما الباحثة لورانس ديبوا، أستاذة العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية بباريس، فأكدت في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن “الحل الجذري يكمن في نظام التعليم، الذي يجب أن يعيد تعريف دوره ليس فقط في نقل المعارف، بل في تكوين مواطن مفكر”.
مستطردة: “إذا أردنا فعلاً أن نحمي أبناءنا من الوقوع في فخ الجماعات الإرهابية، علينا أن نعيد الاعتبار لمادة التربية على التفكير النقدي، وأن ندرّس الإسلام في سياقه التاريخي وليس العقائدي فقط، يجب أن نكسر هذا التصور الذي يعتبر المدرسة خصمًا لهوية الطالب”.
وأضافت أن “فرنسا لا يمكنها أن تختار بين الأمن والاندماج، بل يجب أن تمزج بين اليقظة الأمنية والمصاحبة المجتمعية.. فكلما كان الشاب مندمجًا ومتفاعلًا مع محيطه، قلّ احتمال انجرافه نحو خطاب الكراهية والرفض”.
وأكدت ديبوا وجود حاجة ملحة لتمكين المعلمين من أدوات تحليل الظواهر الدينية والسياسية، ليتحول الفصل الدراسي إلى مساحة نقاش لا إلى ساحة صدام أو صمت.
وبحسب الخبراء، فإن مواجهة خطاب الإخوان، لا تكون بمنع الكتب أو الجمعيات فقط، بل ببناء عقل شاب قادر على رفضها علميًا وأخلاقيًا، وليس فقط عبر آليات الضبط الأمني.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز