دعت صحيفة «بروكسل تايمز» إلى إعادة التفكير في استراتيجية أوروبا الخليجية فيما وصفته بـ«عصر الاضطراب».
وأكدت أنه يمكن للاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربية صياغة مستقبل قائم على الثقة، والنمو الاقتصادي المتبادل، والمواءمة الاستراتيجية.
وقالت الصحيفة في مقال رأي مطول إن النظام الدولي الذي بني على التحالفات الغربية، والمؤسسات متعددة الأطراف، والقيم الديمقراطية المشتركة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية يعاد تشكيله الآن من خلال التقارب المعقد بين القومية الصاعدة، وإعادة التنظيم الاقتصادي، وعودة الثنائية.
وأوضحت أنه في هذا المشهد المتطور، تتدخل القوى الوسطى في الخرق، وتشكل الدبلوماسية العالمية بطرق مبتكرة وتعيد تعريف العلاقات التقليدية ومن بين أكثر هذه الدول ديناميكية دول الخليج، التي لم تعد سياساتها الخارجية الحازمة وأجنداتها الإنمائية الطموحة مقتصرة على النفوذ الإقليمي، بل تشكل الخطاب العالمي حول الطاقة والتكنولوجيا والاستثمار الاستراتيجي.
وقالت الصحيفة إنه بالنسبة للاتحاد الأوروبي، تمثل هذه اللحظة فرصة بالغة الأهمية مع تراجع الولايات المتحدة عن القيادة العالمية في مجالات معينة وإلقاء الخطاب السياسي بظلاله بشكل متزايد على المضمون الدبلوماسي، يجب على الاتحاد الأوروبي إعادة تصور مشاركته مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية وأن ترتكز إعادة التفكير في هذا الصدد على رؤية استراتيجية تتجاوز التبادلات بين المعاملات لتحتضن تعاونا طويل الأمد متجذرا في المصالح المشتركة والفرص الاقتصادية والاستقرار العالمي.
وأضافت صحيفة “بروكسل تايمز” أن تعميق مشاركة الخليج في بريكس ودوره المركزي في أوبك+ ليسا مجرد إشارات اقتصادية، بل يعكسان تفضيلا متزايدا للشراكات المتنوعة وصنع السياسة الخارجية المستقلة ولدول مجلس التعاون الخليجي بصمتها العالمية الموسعة، بما في ذلك العلاقات المتنامية مع الصين والهند وجنوب شرق آسيا وهو ما يعد فرصة مناسبة للاتحاد الأوروبي لتعميق مشاركته معها بما يتماشى مع الزخم والمصالح المتبادلة.
ولمواكبة هذه اللحظة، أكدت الصحيفة أنه يجب على الاتحاد الأوروبي تجاوز الافتراضات التي عفا عليها الزمن وأن يأخذ على محمل الجد التطلعات الاستراتيجية لدول الخليج وقالت إن “دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص تضعان نفسيهما كقوتين وسطيتين قادرتين على التأثير على الأطر الدولية وأضافت أن البلدين يستثمران المليارات في الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة واستكشاف الفضاء والبنية التحتية الذكية وتتزامن هذه الجهود مع طموحات الاتحاد الأوروبي لقيادة التحولات الخضراء والرقمية، مما يجعل قضية المواءمة الاستراتيجية الوثيقة أكثر إلحاحا”.
وأوضحت أن البيان المشترك للاتحاد الأوروبي لعام 2022 حول الشراكة الاستراتيجية مع الخليج والقمة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي لعام 2024 كانتا بمثابة خطوتين مرحب بهما نحو إعادة ضبط العلاقات مؤكدة أن هذه المبادرات تعكس فهماً متزايداً في بروكسل بأن الخليج ليس مجرد مصدر للطاقة وإنما شريك في الابتكار والدبلوماسية والحوكمة العالمية ومع ذلك، ينبغي ترجمة هذه الخطوات إلى إجراءات مستدامة، مع آليات واضحة للتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وأضافت صحيفة “بروكسل تايمز” أن الأمن الإقليمي أحد هذه المجالات ففي حين لايزال الاتحاد الأوروبي منشغلا بالحرب في أوكرانيا، يواجه الخليج مجموعة من التحديات المعقدة الخاصة به من الأزمة الإنسانية الكارثية في غزة، إلى انعدام الأمن البحري في البحر الأحمر وغرب المحيط الهندي وهذه التحديات ليست معزولة حيث تترابط المسارح الأمنية في أوروبا الشرقية والخليج بشكل متزايد، مع ما يترتب على ذلك من آثار متتالية عبر أسواق الطاقة وطرق التجارة والاستقرار العالمي وهوما يجعل الجهود المشتركة لخفض التصعيد وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون البحري ليست ضرورات استراتيجية فحسب وإنما خطوات ضرورية أيضا للحد من المعاناة الإنسانية ودعم السيادة في عصر يتسم بالتقلبات المتزايدة.
ونوهت الصحيفة إلى أنه مع إعادة تشكيل التحول الرقمي لديناميكيات القوة العالمية، يكتسب التعاون بين الاتحاد الأوروبي والخليج في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا أهمية كبيرة في ظل سعي دول الخليج خاصة الإمارات العربية المتحدة إلى توسيع نطاق استثماراتها الأجنبية في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية بسرعة.
وأكدت الصحيفة أن السياسة التجارية والاقتصادية بدورها تستدعي أيضا تركيزا متجددا ووسط تصاعد الخطاب الحمائي في الولايات المتحدة وخطر تجدد الاحتكاكات التجارية عبر الأطلسي، لا يزال الاتحاد الأوروبي شريكا اقتصاديا مستقرا وجذابا لدول الخليج وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة، على وجه الخصوص، ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي في المنطقة وتقترب التجارة السنوية في السلع من 56 مليار يورو (65.9 مليار دولار) وخدمات تتجاوز 39 مليار يورو (45.9 مليار دولار) وتؤكد هذه الأرقام أهمية تعميق وتنويع العلاقات الاقتصادية في المشهد التجاري الذي لا يمكن التنبؤ به اليوم.
وأشارت صحيفة “بروكسل تايمز” إلى أنه في خطوة واعدة إلى الأمام، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي رسميا مفاوضات ثنائية بشأن اتفاقية التجارة الحرة في مايو 2025 وأكد الجانبان التزامهما المشترك بالتحول الأخضر والرقمي لاسيما في مجالات تشمل مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين والمعادن الحيوية والذكاء الاصطناعي والنظم الغذائية المستدامة، مما يسلط الضوء على كيف يمكن للتعاون الأعمق أن يسرع الابتكار ويدعم النمو طويل الأجل والمستقبل في كلتا المنطقتين.
وقالت إنه بالمثل، يوفر التحول الأخضر أرضا خصبة لتعاون أعمق فمن جانبها تقوم دول الخليج ، بقيادة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية باستثمارات كبيرة في الطاقة المتجددة وتقنيات الهيدروجين ومبادرات الاستدامة الأوسع في حين يبدو الاتحاد الأوروبي، بريادته العالمية في مجال التنظيم البيئي والابتكار، في وضع جيد لدعم هذه الطموحات مع الاستفادة أيضا من الاستثمارات الخليجية وصادرات الطاقة المتوافقة ويؤكد مشروع التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في مجال التحول الأخضر لعام 2024، الذي تم إطلاقه خلال القمة العالمية لطاقة المستقبل في أبوظبي، على هذه الإمكانات، بهدف تسريع نشر الطاقة المتجددة، وتعزيز حماية البيئة، وبناء القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ.
وأضافت الصحيفة أنه في حين لعبت الولايات المتحدة ذات يوم دورا رائدا في قيادة جهود المناخ العالمية، فإن الصين الآن هي التي تضع نفسها بشكل متزايد في طليعة التحول الأخضر حيث تقدم تقنيات قابلة للتطوير وبأسعار معقولة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ويشير هذا التحول إلى أن الحلفاء الغربيين التقليديين قد لا يعودون يحملون مطالبة حصرية بقيادة المناخ العالمية مما يشجع الاتحاد الأوروبي والخليج على استكشاف اصطفافات استراتيجية جديدة سعيا لتحقيق أهداف صافي الصفر.
وأكدت صحيفة “بروكسل تايمز” أنه مع ذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي التفكير في موقفه الداخلي والذي في كثير من الأحيان، تعامل مع الخليج من خلال عدسة مجزأة أو غير متسقة تعطي الأولوية لأمن الطاقة على المدى القصير على حساب التعاون طويل الأمد الأمر الذي يخاطر بتقويض مصداقية الاتحاد الأوروبي كقوة معيارية ويتعين على الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد تقديم شراكات مبدئية قائمة على المساءلة المتبادلة والأولويات المشتركة مع الانفتاح على التعلم من الاستراتيجيات الخليجية الناجحة في مجالات مثل الابتكار في القطاع العام والتحول الرقمي.
وأوضحت الصحيفة أن دول الخليج تعمل على نحو متزايد على تشكيل مؤسسات ومعايير الحوكمة العالمية وهنا لا ينبغي الاستهانة بمشاركتها المتزايدة في المنتديات متعددة الأطراف، وأدوارها في الوساطة بالصراعات الإقليمية، وطموحها في تشكيل مستقبل معايير التكنولوجيا العالمية وأكدت أنه أمام الاتحاد الأوروبي خيار أن يظل رد الفعل ويجازف بعدم أهميته في عالم متعدد الأقطاب، أو أن يشكل بشكل استباقي قواعد جديدة إلى جانب القوى الصاعدة.
وقالت صحيفة “بروكسل تايمز” في ختام مقالها أنه قبل كل شيء، فإن القاعدة الأساسية التي يمكن أن تضمن نجاح هذه العلاقة تتمثل في تعميق التفاهم الثنائي وتحقيقه مع اعتراف بأن أوروبا والخليج، على الرغم من اختلافاتهما، تشتركان في قواسم مشتركة أكثر مما يعترف به في كثير من الأحيان .. تحدياتهم من تغير المناخ إلى التحول الاقتصادي إلى التقلبات الجيوسياسية متشابهة بشكل متزايد ومن خلال تبني هذا الواقع المشترك يمكن لكلتا المنطقتين صياغة مستقبل قائم على الثقة، والنمو الاقتصادي المتبادل، والمواءمة الاستراتيجية.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز