سلطة بورتسودان… كما تُدين تُدان!

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


سياسة

عبد المنعم سليمان


في مشهدٍ يحمل مفارقاتٍ قاسية، اختارت سلطة الأمر الواقع في بورتسودان بداية شهر مايو/أيار الماضي أن تُصعِّد موقفها ضد دولة الإمارات، متوهِّمةً أن بإمكانها تطويع العدالة الدولية لغاياتٍ سياسيةٍ ضيّقة، لا تسندها حقائق، ولا تستقيم مع منطق القانون الدولي.

فهرولت إلى محكمة العدل الدولية، ظنًّا منها أن المشهد الإقليمي المرتبك وقتها قد يسمح لها بلحظةِ استعراضٍ جوفاء، وما دَرَت أن من يسلك دروب العدالة الدولية دون وعيٍ كافٍ، وبلا حقٍّ أو حجّة، إنما يسير إلى حتفه بظلفه!

ما حدث بعد ذلك معلومٌ للجميع، فما جرى بقاعة المحكمة في ذلك اليوم المشهود لم يكن تبرئةً للإمارات فحسب، بل شهادةً دوليةً على نهجها الدبلوماسي المتزن، واحترامها للقانون الدولي. وقد كشفت المحكمة خواءَ وكذبَ الادعاءات، وأكّدت عملياً أن توظيف القضاء الدولي لأغراضٍ سياسيةٍ رخيصة لا يجلب سوى الندامة والخزي.

وبينما كانت تلك السلطة تحاول، بداية مايو/أيار الماضي، التموضع في خانة “الضحية”، إذا بها تجد نفسها، في آخر الشهر الذي يليه، وقد تحوّلت كما ينبغي لها كسلطة إجرامية إلى موقع “الجاني”، مطوَّقةً بإداناتٍ وعقوباتٍ واسعة، بسبب استخدامها أسلحةً كيميائيةً خطيرة، محظورةٍ دوليًا، في حربها التي تشنّها منذ عامين ونيّف ضد شعبها.

وهكذا تبدّل حالها، من الافتراء والتنطّع إلى حصارٍ خانقٍ وعقوباتٍ أمريكية مفروضة عليها، وفقدانِ ما تبقّى من شرعيةٍ رمزيةٍ كانت تدّعيها زورًا في المحافل الدولية. وهكذا تبدّلت المواقع، وانقلبت الطاولة؛ من سلطةٍ تدّعي الشرعيةَ والخصومةَ القانونية، إلى عصبةٍ فاقدةٍ لها، تقف عاريةً في محكمة الضمير الإنساني. ومن محاولةٍ لتجريم الآخرين، إلى سلطةٍ إجراميةٍ فضحت ذاتها أمام نظر وسمع العالم كلّه، أخلاقيًا وقانونيًا وسياسيًا.

ما جرى لا يُعدّ مجرد عثرةٍ قانونيةٍ أو تعثّرٍ سياسي، بل هو انكشافٌ مهينٌ لمنظومةٍ كاملةٍ من الزيف والادّعاء. وقد ظنّت سلطةُ الحماقة، التي تمثّل تحالفًا بين الجيش المختطَف و(الإخوان)، أنها قادرةٌ على ليّ عنق العدالة، كما تفعل بمصائر شعبها، فتلقّت صفعةً أخلاقيةً وتاريخيةً مدوّية. وما حدث لا يحمل دلالاته في السياق السوداني المأزوم فحسب، بل يكشف كذلك موقف المنظومة الدولية من محاولات تقويض العدالة، وتسييس القانون، والإفلات من العقاب. ورغم ما يعتري النظام السياسي الدولي من هنات، فإنه يظل عصيًّا على الترويض حين تمسّ الانتهاكاتُ المدنيين الأبرياء، ويزداد حساسيةً حين تُرتكب الجرائم والفظائع باسم الدين، وبأدواتٍ محظورةٍ دوليًا.

ما بين أول مايو/أيار وآخر يونيو/حزيران، فشلت سلطة بورتسودان في معركتها السياسية والقانونية، وسقطت سقوطًا مدوِّيًا يليق بها في امتحان الأخلاق، والقانون، والسياسة. وكُتب فصلٌ جديدٌ من التاريخ السياسي السوداني، عنوانه: أن العدالة الدولية لا تُخدع بالشعارات، وأن للتاريخ مكرًا لا يرحم؛ فكما تُدين تُدان.

مقالات ذات صلة

الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة

إيران.. هل حان وقت إعادة بناء الثقة مع الخليج؟



‫0 تعليق

اترك تعليقاً