
للسياسة في العلاقات الدولية قيم ومعايير حتى لو تحدثنا البراغماتية والمصلحة.
وربما أجمل تلك القيم الشجاعة السياسية التي أظهرتها دول مجلس التعاون الخليجي عندما نددت بالهجوم الإسرائيلي على إيران، أو ما بات يطلق عليه “حرب الـ12 يوما”. وقد مارس الخليجيون تلك الشجاعة بقوة وجدية كبيرتين لدرجة أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان شكر حكام الخليج على موقفهم الصادق والنزيهة.
تلك الشجاعة السياسية لم تكن استثناء بقدر ما هو يمثل السلوك الدبلوماسي الخليجي مع الجارة إيران، فمسألة الوساطة التي توقفت قبل الحرب بيومين واحدة من صور تلك المواقف الخليجية الإيجابية مع إيران في خلافها مع الغرب ولكنه يبقى هو الموقف الأكثر بروزاً أو في تعبير آخر أكثرها درجة متقدمة من الشجاعة السياسية في لحظة تاريخية مهمة من التعامل الإيراني -الغربي بأكمله حيث لم يتضح موقف سياسي آخر داعم لإيران بما فيها الموقف الروسي والصيني.
في الحسابات السياسية الخطوة الخليجية مع في هذا الظرف التاريخي تعادل ألف خطوة لتأكيد نواياها الصادقة في أهمية استقرار الجار الجغرافي وأمنه، بدلاً من استغلال الفرص التي قد تؤدي إلى تعزيز الخوف وربما التخريب والخسارة، كما حصل في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين أو في مرحلة ما كان يعرف باحتلال إيران للعواصم العربية الأربع، بغداد، ودمشق ولبنان وصنعاء.
ربما يتوهم البعض أن الموقف الخليجي ينطلق من القلق من ردة فعل إيران عليها من خلال إطلاق صواريخها على هذه الدول التي كثيراً ما تهتم بأمنها واستقرارها وبالتالي ما فعلته فهو نوع من الاستمالة الخليجية لإيران اتقاءً لشرها وانتقامها، مع أنه واقعياً لا يوجد مبرر لإيران بأن تقوم بعمل عدائي ضد الدول الخليجية.
لكن بافتراض صحة هذا الوهم أو الاعتقاد النفعي المصلحي؛ فإن هذا الأمر لا ينتقص من شجاعة الموقف الخليجي المسؤول والعقلاني تجاه الحفاظ على الإنسان في العالم وإنسان هذه المنطقة تحديداً الذي عانى كثيراً من المغامرات الايديولوجية والشعارات السياسية دون أي مكاسب تنموية.
إيران وهي تراجع نتائج هذه الحرب، حبذا ألا تنسى أن تُقيم موقف دول مجلس التعاون الخليجي المساند لها في هذا الظرف الاستثنائي عليها. وحبذا أيضاً، أن يتمتع تقييمها بروح من الشجاعة السياسة بقدر الموقف الخليجي وبقيم الجار الجغرافي والتاريخ الإنساني الذي يربط ضفتي الخليج العربي أكثر من أن يسيطر على التقييم نزعات العناد السياسي والغطرسة التقليدية، وذلك لبناء الثقة أولاً التي هي أساس أي عمل سياسي. وأن تبدأ أولى مراحل هذا البناء بتقدير الموقف الخليجي من خلال تغيير سلوكها السياسي معه من خلال إزالة كل ما يهدد استقرار هذه المنطقة.
لا يمكن أن تنتقص الشجاعة في إزالة مسببات تهديد استقرار المنطقة من مكانة إيران السياسية ولا من تاريخها العميق، كما لا يمكن تأويل تلك الشجاعة بأنه ضعف منها بل مثل هذه المواقف عندما تأتي في اللحظة التاريخية المناسبة ترجح موقف الدولة وتعطيها مصداقية دولية.
الموقف الخليجي النزيه والصادق في الحرب الإسرائيلية يصلح لأن يبث برسالة سياسية أخلاقية إلى النظام الإيراني لكي يعمل على توفير البيئة المناسبة للعمل مع جيرانه العرب بشكل تعاوني لازدهار المنطقة بأكملها، خاصة وأن الاتجاه السياسي الدولي يسير نحو الإقليمية (الأقلمة)، وستفوت القيادة الإيرانية الفرصة إذا لم تستوعب الموقف الخليجي بأنه من باب خدمة المصالح المشتركة للطرفين الذي يبدأ من توفير الاستقرار والأمن للجميع من خلال كل ما يعكر صفوة العلاقة بينهما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة