بالرغم من أن بلادنا الغالية قد حققت أعلى معدلات للنمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة، وزادت المشروعات القومية والمدن الذكية، فضلًا عن العاصمة الإدارية التي تلمع في عز النهار، ومع الاحتفال بذكرى ثورة 30 يونيو التي أعادت مصر من الاختطاف الإخواني، وفي ظل الاحتفال بعام هجري جديد؛ نزل على مسامعنا خبر حزين، أبكى مصر كلها، وهو مصرع 18 بنت زي الورد، في عمر الزهور، وسواق واحد، علشان 130 جنيهًا في اليوم في حادثة مروعة علي الطريق.
المأساة وقعت يوم جمعة.. أيوة، جمعة! يوم الراحة الأسبوعية الوحيد اللي الناس بتخرج فيه تتفسّح، تقعد على القهوة، تزور أهلها.. لكن بناتنا دول لم يكونوا على البحر، ولا في الملاهي، ولا حتى نايمين؛ دول كانوا رايحين المصنع! ماشيين في سكة الشقاء، والكد، والوجع، لأن الجيب فاضي، والبيت محتاج، والجهاز ناقص، ومصاريف التعليم دايسة على قلب الأهل!
130 جنيهًا.. الرقم الذي بيعبر عن قيمة الإنسان في بلد يشق طريقه نحو التنمية والنهوض إلى الأمام بعد سنوات ماضية من البطء والتراجع والسكون محلك سر في المكان، بينما العالم يتحرك ويتقدم من حولنا!
وهي يومية أقل من ثمن تذكرة سينما في مول من مولات العاصمة، وأقل من ثمن وجبة سوشي في مطعم بيتحاكى عنه في الفيسبوك وأقل من بقشيش يمكن دفعه في أحد محلات الأطعمة الشهيرة على اليوتيوب!
بس البنات دي كانت بتشتغل بيها! بتتعب، بتقف بالساعات، تشتغل شغل مصانع، والحر خانق، والماكينات بتزعق، والأمل مكسور على الرصيف!
لكن مفيش حد حاسس بيهم إلا أهلهم الذين كانوا يعيشون حالة من القلق المستمر في انتظار رجوعهم إلى البيت كل ليلة!
العربية اللي خدتهم في طريق اللاعودة، كانت راجعة بيهم من مصنع في مدينة السادات.. والتريلا اللي دخلت فيهم عكس، كان سواقها نايم! فعلا نايم وهو سايق! نام وساب 19 روحًا تمـوت بلا أدنى مسؤولية، وربما تؤكد التحقيقات بعد ذلك أسباب أكثر دهشة واستغراب من ذلك!
وإنتَ تسأل: فين المرور؟ فين الرقابة؟ من سمح لهؤلاء السائقين أن يتسببوا في إزهاق كل هذه الأرواح وتسببوا في حالة حزن كبيرة لا تنتهي لذويهم ولمصر كلها!
تخيل بعد سماع النبأ الحزين هذا من الصبح، ومفيش في قلبي غير الحزن والقهر.. 19 نعشًا طالعين من جامع واحد! 19 صرخة أم! 19 أب مكسور مش لاقي يقول غير “حسبي الله ونعم الوكيل”!
البنات دول لا راحوا مصايف، ولا لبسوا موضة، ولا عرفوا “الويك إند” اللي بيتغنوا بيه في برامج التنمية البشرية، ولا شافوا الحياة اللي بيسموها حياة.
بناتنا ماتوا في سبيل لقمة العيش.. لكن القاتل مش بس التريلا! القاتل الحقيقي هو الإهمال، هو الفقر، وربما الظلم الاجتماعي الذي يشعر به البعض من فئات المجتمع، هو اللي ما بيديش الناس فرصة تعيش بكرامة.. بالرغم من دور الدولة في محاولة تخفيف الضغوط عن طريق برامج الحماية الاجتماعية وتكافل وكرامة ولكنها غير كافية للعيش لأن الأسعار نار كما يعلم الجميع، ولكن المصري قادر على التكيف مع كل الظروف الاقتصادية، إيمانا منه بضرورة الوقوف مع البلد بالصبر والتحمل الشدائد.
والسؤال دلوقتي:
هنتحرك امتي؟
حد هيحاسب؟
ولا هنعديها زي كل مرة؟ ونكتفي بـ”ادعوا لهم بالرحمة”، ونرجع ننام؟ وننتظر حادثة أخرى ونكتفي بالحزن وصرف المساعدات والتعويضات دون معالجة السبب الحقيقي وراء هذه الحوادث المتكررة في بلادنا، وماذا عن الطرق ومدى سلامتها وأمانها للمواطنين، فضلًا عن أن هذا الطريق الإقليمي الذي وقعت فيه الحادثة يطلق عليه “طريق المـوت”، فلماذا الصمت والتباطؤ، والتحرك بعد حدوث الكارثة وإزهاق المزيد من الأرواح البريئة!!