توصل فريق علمي إلى دلائل على أن المخ يصدر ضوءًا خافتًا أثناء أداء المهام العقلية، فيما يعرف علميًا باسم “الفوتونات الحيوية، وهي جسيمات ضوئية دقيقة تنبعث نتيجة العمليات الكيميائية الحيوية داخل الخلايا.
ما هي الفوتونات الحيوية؟
الفوتونات الحيوية هي جسيمات ضوئية تنتج عن التفاعلات الكيميائية داخل الكائنات الحية، وتحديدًا أثناء إنتاج الطاقة داخل الخلايا، وكلما زاد استهلاك الطاقة في الخلية، زاد معدل انبعاث هذه الجسيمات.
وتعود أولى الملاحظات حول هذه الظاهرة إلى بدايات القرن العشرين، حيث أظهر العالم الروسي ألكسندر جورويتش أن الفوتونات قد تكون وسيلة تواصل بين الخلايا، مشيرًا إلى أنها تؤثر على النمو والتطور البيولوجي.
قياس الضوء في عقول المفكرين
قاد فريق بحثي من جامعة “ويلفريد لاورير” الكندية دراسة مبتكرة لرصد هذا النوع من الإشعاع في الدماغ البشري، إذ استعان الباحثون بـ20 متطوعًا ارتدوا أغطية رأس مزودة بأقطاب كهربائية لقياس النشاط العصبي، وأنابيب حساسة لتضخيم أي إشارات ضوئية دقيقة تصدر من المخ أثناء التفكير.
النتيجة الأولى كانت مذهلة: نعم، هناك ضوء ينبعث من الدماغ بشكل حقيقي، منتظم، ومستقل عن أي عوامل خارجية.
خريطة الضوء داخل العقل.. أين يتركز الإشعاع؟
أظهرت التجربة أن الفوتونات تتركز في:
- الفص القذالي (الجزء الخلفي من الدماغ): المسؤول عن معالجة المعلومات البصرية.
- الفص الصدغي (على جانبي الرأس): المتخصص في استقبال الأصوات وتحليلها.
وتشير هذه النتائج إلى أن الإشعاع ليس عشوائيًا، بل يرتبط مباشرة بمناطق محددة من الدماغ تعمل على معالجة مدخلات حسية معقدة.
علاقة الطاقة الفكرية بالضوء المنبعث
رئيسة الفريق، نيروشا موروجان، أوضحت أن الدماغ البشري يستهلك كميات هائلة من الطاقة، ما يجعله مرشحًا طبيعيًا لإنتاج الفوتونات.
وأثبت الفريق أن كمية الضوء المنبعث ترتفع كلما زادت صعوبة أو كثافة المهمة المعرفية، مثل الانتقال من حالة الراحة إلى تحليل صورة أو صوت.
أسئلة بلا إجابات
ورغم أن التجربة أثبتت وجود الإشعاع، فإن وظيفته لا تزال غامضة، هل تلعب الفوتونات دورًا فاعلًا في التفكير، أم أنها مجرد نتيجة ثانوية للأنشطة البيولوجية؟
الدكتور مايكل جرامليش، المتخصص في الفيزياء الحيوية بجامعة أوبورن الأمريكية، تساءل: “هل يمكن أن تكون هذه الفوتونات وسيلة لتعديل النشاط الذهني؟ أم مجرد ناتج عرضي لا يحمل دلالة؟”.
أما الباحث دانييل ريمونديني من جامعة بولونيا، فركز على قدرة الفوتونات على الانتقال داخل أنسجة الدماغ، مشيرًا إلى أن فهم هذه المسافة قد يفسر كيفية تواصل مناطق الدماغ مع بعضها عبر الضوء، وليس فقط عبر الإشارات الكهربائية.
مستقبل جديد في تشخيص العقل وعلاجه
الفريق البحثي يسعى لتطوير أجهزة استشعار بالغة الدقة لرصد مصدر الفوتونات بدقة ميكروسكوبية.
ويعمل باحثون من جامعة روشستر الأمريكية حاليًا على تطوير مسبارات نانوية لتحديد ما إذا كانت الألياف العصبية قادرة على إنتاج هذا النوع من الإشعاع.
وفي حين أن العلاقة السببية بين الفوتونات الحيوية والعمليات العقلية لم تحسم بعد، إلا أن التقنية المستخدمة في الدراسة – تصوير الفوتونات العصبية (Photoencephalography) – قد تشكل في المستقبل وسيلة غير جراحية لرصد أنشطة الدماغ، وربما علاج اضطراباته.