السلاح النووي.. حرام على إيران حلال على إسرائيل!

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


في خطوة أذهلت العالم عام 1993، أعلنت جنوب أفريقيا أنها نجحت في صناعة أسلحة نووية سرًّا خلال ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن تتخذ قرارًا طوعيًا بتفكيك ترسانتها بالكامل.

الإعلان، الذي جاء من خارج نادي القوى العالمية النووية التقليدية، شكّل سابقة فريدة من نوعها، إذ أصبحت جنوب أفريقيا أول، وما زالت الوحيدة، من بين الدول التي طوّرت سلاحًا نوويًا ثم تخلّت عنه بإرادتها.

لكن بينما سلكت جنوب أفريقيا هذا الطريق المنفرد، تبنّت دول أخرى مسارات مختلفة نحو امتلاك القوة النووية.

6 دول كبرى، من بينها الصين وفرنسا والهند، طوّرت ترسانات نووية وفقًا لخططها الخاصة، فيما حصلت ثلاث دول أخرى، هي إسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية، على دعم من حلفاء أقوياء في مشوارها نحو القنبلة.

في المقابل، آثرت دول غنية مثل أستراليا، اليابان، البرازيل، ألمانيا، وكوريا الجنوبية البقاء خارج هذا السباق، رغم امتلاكها القدرات التقنية اللازمة.

هذه المسارات المتباينة، وفقًا لخبراء السياسة النووية، تمثّل مفتاحًا لفهم كيف ولماذا تسعى بعض الدول إلى التسلح النووي بينما تمتنع أخرى.

ويقول أستاذ الأمن النووي والعلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) الدكتور فيبين نارانغ: “هناك تباين عميق في طريقة تفكير الدول بشأن السلاح النووي. وهذا يُغير تمامًا استراتيجيات الردع ومنع الانتشار التي نتبعها”.

ويرى نارانغ أن كثيرين لا يزالون يتعاملون مع مسألة الانتشار النووي من منظور الحرب الباردة، حيث اتبعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي نموذج “سباق التسلح السريع” في إطار ما يُعرف بـ”مشروع مانهاتن”. لكن الواقع اليوم مختلف تمامًا.

ويقول نارانغ: “نُخطئ حين نعتقد أن كل من يسعى للسلاح النووي يُشبه مشروع مانهاتن مصغّرًا. الحقيقة أن النموذج الأمريكي السوفيتي حالة استثنائية، لا تنطبق على الغالبية الساحقة من البرامج النووية حول العالم.”

هذه الرؤية يشكلها نارانغ في كتابه “البحث عن القنبلة“، الصادر عن دار نشر جامعة برينستون. 

ويقدم الكتاب تصنيفًا جديدًا للمسارات النووية المختلفة، ويحاول الإجابة عن سؤال معقّد: لماذا تختلف الدول في نهجها نحو السلاح النووي؟ وما تداعيات ذلك على سياسات الردع ومنع الانتشار؟

ويحذّر نارانغ في كتابه من أن الولايات المتحدة قد تواجه مستقبلًا معقّدًا: “هناك احتمال متزايد بأن تواجه واشنطن تحديات نووية ليس فقط من خصومها التقليديين، بل من حلفائها أيضًا”.

رسالة الكتاب واضحة: عالم السلاح النووي ليس أحادي النمط… بل متعدد الحوافز، والطرق، والنهايات.

البحث عن القنبلة

لطالما انشغلت الأبحاث السياسية والعسكرية في العقود الأخيرة بإجابة سؤال: لماذا تمتلك الدول السلاح النووي؟ لتأتي الإجابات التقليدية متمحورة حول الأمن، والهيبة، والسياسات الداخلية.

لكن كتاب الباحث فيبين نارانغ يعيد رسم خريطة الانتشار النووي حول العالم، لا بناءً على نوايا الدول فحسب، بل على المسارات المعقدة التي تتبعها، والتحالفات التي تستند إليها، والعقبات التي تتفاداها.

اعتمادًا على دراسة 29 دولة حاولت امتلاك السلاح النووي، منها 10 نجحت، يُقسّم نارانغ تلك الدول إلى أربع فئات رئيسية: “العداؤون” (The Sprinters): وهم اللاعبون الكبار الذين ركضوا نحو القنبلة دون حاجة للمساعدة. الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، بريطانيا، فرنسا، الصين، والهند، جميعها امتلكت الإمكانيات والقرار السيادي لصناعة السلاح النووي بمفردها.

“المتحوّطون” (The Hedgers): دول تمتلك القدرة التقنية لكنها تُبقي خيار السلاح النووي في منطقة رمادية. اليابان، ألمانيا، كوريا الجنوبية، وحتى السعودية، كلها دول تستثمر في التكنولوجيا النووية المدنية، وتحتفظ بهوامش استراتيجية قد تُترجم إلى برنامج عسكري في لحظة تغير سياسي.

“المطاردون السريون” (The Stealthy Chasers): دول استغلت علاقاتها مع قوى كبرى للحصول على دعم ضمني أو تقني في طريقها نحو القنبلة. إسرائيل مثال نموذجي، حيث أكملت برنامجها النووي بدعم أمريكي غير مباشر، فيما استفادت كوريا الشمالية من علاقة استراتيجية مع الصين.

“المتخفّون” (The Hiders): وهي الفئة الأكثر خطورة. دول تسعى للحصول على القنبلة دون غطاء سياسي أو تحالف واضح، وتعمل في الخفاء لتجنّب الكشف والمواجهة، مثل جنوب أفريقيا – التي فاجأت العالم في التسعينيات بإعلان امتلاكها أسلحة نووية سرية سابقًا – هي أبرز الأمثلة.

يرى نارانغ أن “الاختباء” ليس فقط مسارًا شاقًا، بل مليء بالمخاطر السياسية والعسكرية. تجربة العراق، وسوريا، وليبيا، تظهر كيف انتهى الأمر بتلك الدول إلى ضربات عسكرية، أو سقوط أنظمتها بالكامل.

ويقول: “إذا لم يكن لديك حليف يحميك، فخيارك الوحيد هو الاختباء. لكن هذا الخيار باهظ الثمن، وغالبًا لا يصل إلى النهاية السعيدة”.

يُشدّد على حالة سوريا عام 2007، حين قصفت إسرائيل مفاعلًا نوويًا بُني بدعم كوري شمالي، ويقول: “كان الأسد على بُعد أسابيع من إنجاز برنامجه… لكنه خسر المفاعل وبقي في السلطة، بعكس صدام حسين أو القذافي”.

لكن التجربة الجنوب أفريقية تظل الاستثناء الوحيد الذي نجح في إتمام برنامج نووي سري، ثم تخلّى عنه طوعًا، في خطوة ما زالت تُلهم “المتخفّين” حتى اليوم.

يُحذّر نارانغ من أن فئة “المتحوطين” ستأخذ في التوسع، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث “العدوى النووية” قابلة للانتشار إذا شعر حلفاء أمريكا التقليديون بعدم الأمان. 

ويقول: “المتحوطون في اليابان، كوريا، السعودية، وحتى تركيا، ليسوا خارج اللعبة… بل مستعدون للدخول إذا تغيّر ميزان القوى أو اختلّت التحالفات”.

في المقابل، يرى نارانغ أن فئة “المتخفّين” باتت أكثر ذكاءً وتخطيطًا، مما يُصعّب على القوى الكبرى إيقافها في الوقت المناسب، محذرًا من أن مستقبل الانتشار النووي قد لا يكون في الدول المعادية التقليدية فقط، بل حتى لدى الحلفاء.

ويقدّم نارانغ تصورًا براجماتيًا لمستقبل الانتشار النووي، بعيدًا عن الطموحات الطوباوية بنزع السلاح: “الجميع يبحث عن حل شامل… لكن الحقيقة أن الأسلحة النووية باقية، والتحدي الأكبر ليس منع انتشارها تمامًا، بل إدارة هذا الانتشار بحكمة”.

النموذج الذي طوّره نارانغ في كتابه يُراعي القدرات التقنية والسياسات الداخلية والتحالفات الخارجية، وحقق نسبة تنبؤ صحيحة تجاوزت 85% من الحالات التاريخية، ما يجعله أداة جديدة ومؤثرة في يد صانعي القرار والمحللين.

لماذا يُسمح لبعض الدول بامتلاك السلاح النووي؟

وتُلزم اتفاقية عدم الانتشار النووي (NPT) التي تم توقيعها سنة 1968، الدول بعدم انتشار السلاح النووي.. وتُقسم العالم إلى دول نووية شرعية وهي الدول التي فجّرت سلاحًا نوويًا قبل عام 1967 مثل (أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين)، ودول غير نووية، ويُمنع عليها تصنيع أو حيازة السلاح النووي.

الاتفاقية “قنّنت” الوضع الموجود وقتها، وأعطت شرعية للقوى الكبرى وحرّمت الأمر على الباقين، إذ إن الدول الكبرى لا تريد أن تفقد احتكارها للقوة النووية، لأنها وسيلة ردع وسيطرة، وترى أنه إذا امتلكت قنبلة كل دولة، فالعالم سيكون عُرضة لانفجارات من نزاع بسيط أو خطأ غير مقصود.

غير أن الدول الحليفة للغرب مثل إسرائيل، تم تجاهل امتلاكها للقنبلة، بينما دول أخرى كإيران تم فرض عقوبات صارمة عليها، وشُنت ضربات عسكرية ضد منشآتها النووية، وهما ما يطرح سؤالًا مهمًا.. لماذا التناقض؟ والإجابة لأن النظام الدولي ليس عادلًا بل تحكمه المصالح، والقوة تصنع الشرعية، وليس العكس، ومن ثمّ لن تسمح الدولة الكبرى بأي دولة تهدد توازن القوة الحالي.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً