بعد نحو 48 ساعة من وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، بدأت ملامح مرحلة جديدة تتشكل في السياسة الإيرانية، إذا بدا واضحًا أن طهران قررت خلع عباءة الرضوخ أو انتظار رضا واشنطن، وبدأت تتحرك بثقة نحو قوى أخرى بشراكات أقوى وأقل ابتزازًا.
في خطوة تحمل رسائل سياسية وأمنية عميقة، تتجه إيران إلى تعزيز علاقاتها مع الصين، لتؤكد أنها لم تعد تنتظر ضوءًا أخضر من الغرب، بل تصنع طريقها بيدها، وبمحور جديد يُعيد ترتيب أوراقها على الساحة.
وزير الدفاع الإيراني في الصين
في السياق ذاته، وصل وزير الدفاع الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، اليوم، إلى مدينة “تشينغداو” الصينية، للمشاركة في اجتماع وزراء دفاع منظمة شنغهاي للتعاون، في خطوة تعكس سعي طهران لتعزيز تحالفاتها الاستراتيجية في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، وفقًا لما نقلته “سي إن إن” الأمريكية.
ويبحث الاجتماع الذي تستضيفه الصين برئاسة وزير دفاعها دونج جون، الذي يجمع وزراء الدفاع من الدول الأعضاء في المنظمة، قضايا الأمن الإقليمي والتعاون العسكري بين دول آسيا الوسطى والشرقية.
وتأتي زيارة نصير زاده للصين في وقت تواجه إيران تبعات المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيل، التي استمرت 12 يومًا، وأسفرت عن كشف نقاط ضعف بارزة في قدراتها الدفاعية، خصوصًا أمام سلاحَي الجو الإسرائيلي والأمريكي، ما أثار تساؤلات داخلية وخارجية حول جاهزيتها العسكرية، بحسب “فوكس نيوز”.
زيارة استثنائية تتجاوز الأطر التقليدية
وبشأن زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى الصين، قال الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور إسماعيل التركي في تصريحات لـ”تليجراف مصر”، إن الزيارة هذه المرة تكتسب أهمية استثنائية، خاصة في أعقاب جولة التصعيد الأخيرة بين إيران وإسرائيل، التي عُرفت بـ”حرب الـ12 يومًا”.

ورأى التركي أن التوترات الإقليمية الراهنة والتغيرات المتسارعة في المشهد الجيوسياسي العالمي، منحت هذه الزيارة بُعدًا خاصًا ورسائل سياسية وأمنية متعددة، تتجاوز الأطر التقليدية للعلاقات بين البلدين.
ماذا تريد إيران من هذه الزيارة؟
وأشار الخبير في العلاقات الدولية، إلى أن إيران تسعى من خلال هذه الزيارة إلى إيصال ثلاث رسائل رئيسية، وهي كالتالي:
أولًا، التأكيد على متانة تحالفاتها الدولية، وأنها ليست معزولة كما تسعى بعض القوى الغربية لتصويرها، بل لديها شركاء أقوياء على الساحة العالمية، في مقدمتهم الصين، ما يعزز موقفها التفاوضي في مواجهة الضغوط الغربية.
ثانيًا، تسعى طهران إلى تعزيز الردع الإقليمي، من خلال التعاون الدفاعي مع قوة عظمى مثل الصين، ما يمثل رسالة قوية لأي جهة تفكر في التصعيد العسكري ضدها، لا سيما بعد المواجهة الأخيرة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
ثالثًا، تعمل إيران على تنويع خياراتها الاستراتيجية والاقتصادية في ظل العقوبات الغربية، عبر تعزيز التعاون مع الصين باعتبارها لاعبًا دوليًا صاعدًا ومؤثرًا، يمكن أن يشكل بديلًا فعالًا عن الغرب.
وساطة لتثبيت وقف النار أم شراكة دفاعية؟
وذهب التركي إلى أن الهدف الأبرز لإيران في هذه المرحلة يتجاوز مجرد تثبيت التهدئة مع إسرائيل، ليصل إلى تطوير قدراتها الدفاعية، لا سيما في مجال الدفاع الجوي، حيث شكلت العقوبات الغربية عائقًا كبيرًا أمام امتلاك إيران لتكنولوجيا عسكرية متقدمة، في حين تمثل الصين مصدرًا محوريًا في هذا المجال.
وفيما يتعلق بإمكانية لعب الصين دور الوسيط بين إيران وإسرائيل، أوضح التركي أن بكين وإن كانت تحتفظ بعلاقات متوازنة مع الطرفين، فإن دورها كوسيط لا يزال محدودًا، لكنها قد تقدم دعمًا سياسيًا لطهران للمساعدة في تهدئة التوترات أو منع المزيد من التصعيد في المنطقة.

كما أشار التركي إلى أهمية مشاركة إيران في منظمة شنغهاي للتعاون في هذا التوقيت الحرج، معتبرًا أنها خطوة استراتيجية تهدف إلى كسر العزلة التي فرضتها الولايات المتحدة على طهران، وفتح قنوات تعاون جديدة مع روسيا، الصين، ودول آسيا الوسطى.
هذه المشاركة- وفقًا له- تعزز فرص التعاون الأمني والعسكري، وتمكن إيران من الانخراط في مناورات مشتركة وتوسيع دائرة شراكاتها الاقتصادية.
واختتم التركي تصريحاته بالإشارة إلى أن زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى الصين تعكس تحولًا استراتيجيًا في مسار العلاقات الثنائية من الطابع الاقتصادي إلى الأمني والدفاعي، في ظل مؤشرات متزايدة على تعميق التعاون العسكري والتقني بين الجانبين، معتبرًا أن هذا التحول قد تكون له تأثيرات بعيدة المدى على ميزان القوى في الشرق الأوسط والعلاقات الدولية ككل.
بكين تدعم طهران
كانت بكين شددت، الثلاثاء من الأسبوع الماضي، على دعمها لطهران في حماية سيادتها وأمنها، على خلفية الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران التي بدأت في 13 يونيو الجاري، قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين.

ونددت الصين بشدة، الأحد الماضي، بتوجيه أمريكا ضربة للمنشآت النووية الإيرانية (فوردو، ونطنز، وأصفهان).
وأشارت إلى أن هذه الخطوة من جانب الولايات المتحدة تنتهك بشكل خطير مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وتؤدي إلى تفاقم حدة التوترات في الشرق الأوسط.
ترسانة إيران الصاروخية
أوضحت منظمة مجلس العلاقات الخارجية ومقرها واشنطن، في تقرير بأن الغارات الإيرانية على إسرائيل عام 2024 كشفت بأن قدرات طهران الصاروخية متنوعة وتشمل ترسانات واسعة من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية إضافة للمسيّرات.

ونقلت عن محللي الاستخبارات الأمريكية قولهم، إن صواريخ إيران الباليستية تسلك مسارَا مكافئًا عبر الغلاف الجوي بسرعة كبيرة، كما يصعب اعتراضها. كما تشير تقارير إلى أن صواريخ إيران بعيدة المدى قادرة على ضرب أهداف تصل إلى 2000 كيلومتر (حوالي 1240 ميلًا)، وربما أبعد لتغطي كامل المنطقة وأجزاء من أوروبا، وفقًا لما نقلته “فرانس 24”.
“دعم عسكري صيني “سري”
وفيما تطرح التساؤلات حول مدى تراجع القدرات الصاروخية الإيرانية تحت وابل الضربات الإسرائيلية، كشفت تقارير عن احتمال وجود دعم سري عسكري صيني للإيرانيين أقله بموجب اتفاقيات سبقت اندلاع الحرب الأخيرة التي بدأت في 13 يونيو الجاري.
وأشارت صحيفة “التليجراف” البريطانية، إلى أنه عقب بدء الضربات الإسرائيلية على إيران الجمعة، أقلعت طائرة شحن من الصين تلتها طائرة ثانية السبت الماضى ثم أخرى الاثنين.
وأضافت الصحيفة أن إحدى تلك الرحلات، يبدو أنها غادرت من شنغهاي وكان من المفروض أن تصل إلى لوكسمبورج، إلا أن البيانات كشفت عن أن الرحلة (CLX9877) حلقت غربًا على طول شمال الصين عابرة كازاخستان ثم جنوبًا إلى أوزبكستان وتركمانستان قبل أن تختفي عن الرادارات مع اقترابها من إيران” وهو ما اطلعت عليه الصحيفة من خلال تتبع مسار الرحلة المسجل والمحفوظ على موقع “فلايت رادار 24” (Flightradar24)”.
إعادة إعمار إيران
عقب إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، بدأت الحكومة الإيرانية إعداد الخطط الأولية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
وأعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني، عبر التلفزيون الرسمي، أن “الهجمات الإسرائيلية استهدفت مناطق سكنية، ومراكز علمية، ومعاهد بحوث، ومنشآت صحية ومدنية”، مؤكدة أن “الحكومة تواجه مهمة كبرى لإعادة الإعمار، وستبدأ فورًا بتقييم الأضرار”.