صناعة الأصدقاء لا الخصوم.. مسؤولية الكلمة في زمن الأزمات

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



في توقيت لا يحتمل التردد أو الخطأ، تبرز الأزمات كمحكٍّ حقيقي، تظهر فيه المعادن وتُختبر فيه الخيارات.

لحظات فارقة تتطلب وعياً صافياً حين تختلط الأصوات وتتزاحم المواقف، وتغدو الكلمة أداة تُبنى بها الثقة أو تتصدع بها العلاقة بين الفرد ووطنه، ففي مثل هذه الظروف، يكون الانحياز للوطن مسؤولية واضحة، ومهمة لا يمكن التخلي عنها أو تأجيلها.

وما نكتبه في هذه المرحلة ينعكس على صورتنا الجماعية، ويُسهم في ترسيخ الاستقرار أو يُفسح المجال للتشويش.

فهل نكتب بما يصنع أصدقاء للإمارات؟ أم نكتب ما يراكم خصومها؟ هل نواكب رؤية دولتنا في ترسيخ السلام والتعايش؟ أم نُضعف هذه الرسالة ونشوّش صورتها أمام العالم؟

وفي ظل الأحداث المتسارعة الأخيرة، حين تعرضت قاعدة العديد لهجوم صاروخي، تسارعت الشائعات وتسابقت المنصات على نشر أخبار غير مؤكدة عن إغلاق المجال الجوي الإماراتي قبل صدور أي بيان رسمي، لم يكن ذلك “سبقاً صحفياً”، بل نموذجاً حياً على خفة التعامل مع المعلومة في وقت يتطلب فيه الظرف تماسكاً لا انفعالاً، فهي قذائف رقمية تهز الثقة بين الجهات الرسمية والمجتمع، وتزرع القلق في لحظات تتطلب الثبات والانضباط.

وفي عصر باتت فيه أدوات الإعلام أكثر خطورة من أدوات الحرب، فإن الكلمة المضللة لا تحتاج أكثر من عنوان مضخّم أو فيديو مجتزأ حتى تشعل دوائر التوتر، وهنا تكمن الخطورة، أن تتحول المشاعر العفوية إلى منصة تُخترق بها ثقة المواطن بوطنه، لذا علينا الحذر من هذه الفخاخ، فالإعلام أداة بناء حين نلتزم بالمصدر الرسمي، لكنه يتحول إلى أداة هدم حين يُستغل للمزايدات والانفعالات، فالانخداع بسيناريوهات غير دقيقة، أو التسرع في نشر مقاطع مجتزأة، لا يُظهر وعياً بل يُظهر قابلية خطيرة للاختراق.

لهذا، فإن تحصين الوعي يبدأ من الداخل، أن نتحقق قبل أن ننشر، وأن نضع أمن الوطن قبل فضول اللحظة، ولا ننشر شيئاً لمجرد أنه يوافق موقفنا العاطفي، فالمصدر الرسمي ليس مجرد مرجعية بل صمام الأمان الوحيد حين تختلط الحقائق وتتصاعد التوترات، وما نحتاجه اليوم ليس فقط ضبط المشهد الخارجي، بل إعادة هندسة الخطاب الداخلي الذي يصون وحدة الصف، ويمنع تسلل الفوضى عبر الشاشات والهواتف.

وما نحتاجه اليوم ليس تحليلات مرتجلة ولا انفعالات موسمية، بل خطاب ناضج يعكس روح الإمارات ومكانتها، خطاب يُقدم رسائل إيجابية، ويصنع أصدقاء لا خصوماً، خطاب يُعبر عن مشروعنا الوطني الذي لا يقوم على ردود الأفعال، بل على صناعة نموذج الاستقرار والفرص والتعايش، وبناء الجسور لا الحواجز.

فمن يكتب أو يغرد أو يعلق عليه أن يتذكر، هل ما أقدمه اليوم يُقرّب الناس من شخصي ومن وطني؟ أم يدفعهم بعيداً؟

والمؤسف كذلك أن البعض حين يسمع بخبر تفجير أو انهيار في بلد ما، يتعامل معه بروح سلبية تغيب عنها الرحمة، ويخسر بذلك جوهر دينه قبل أي اعتبار سياسي، ومن يفعل ذلك لا يُعد منتصراً بل مهزوماً داخلياً، تخلى عن إنسانيته، عن القيمة التي تشكل جوهر رسالة الإمارات إلى العالم.

ولطالما كان التحذير واضحاً من توظيف الدين أو الأيديولوجيا في الصراعات الجارية، ومن خلط المصلحة الوطنية بمرجعيات ضيقة تفرّق أكثر مما تجمع، فالسياسة في رؤيتنا لا يجب أن تكون ساحة انقسام، بل مساحة تلاقٍ حول ما يوحّد، وما يجعل الآخر يراك شريكاً موثوقاً، لا طرفاً يُخشى منه أو يُحسب عليه.

من هنا تنبع أهمية الفكرة التي تجسدها “الحاضنة الوطنية”، ذلك الإطار الواسع الذي يجمعنا مهما اختلفنا، ويمنح الآخر رغبة في الاصطفاف معنا لا ضدنا، وكلما كانت هذه الحاضنة متماسكة، كلما ازداد حضورنا احتراماً في عيون العالم.

وختاماً، في عالم يتقلب على وقع الأزمات، لسنا مطالبين بإجابات لكل سؤال، بقدر ما نحن مسؤولون عن حسن التوقيت، وعن معرفة متى نصمت ومتى نعبر، وكيف نمثل وطننا بأدب الكلمة واتزان الموقف.

فالأزمات تمضي، أما الكلمة فتبقى، تُدوّن إما وساماً للأجيال أو تُسجل كوصمة لا تُمحى عن صاحبها.

والكلمة مسؤولية، والمحتوى موقف، والانحياز الحقيقي ليس إلى أي طرف خارجي، بل إلى الإمارات فقط، مبدأ، ورؤية، ورسالة تصنع السلام، وتزرع الاحترام، وتمنح هذا الوطن مكانته التي لا ينافسه عليها أحد.

الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة



‫0 تعليق

اترك تعليقاً