يجتمع قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، اليوم الثلاثاء، في مدينة لاهاي الهولندية، في قمة يُتوقع أن يكون فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنتصر الأبرز، سياسيًا واستراتيجيًا، في ضوء التطورات الأخيرة على الساحتين الدولية والأوروبية.
فبعد عقود من الانتقاد الأمريكي لإنفاق الدفاع الأوروبي، وبعد أيام فقط من أول تدخل عسكري مباشر في ولاية ترامب الثانية، وبعد إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بوساطة أمريكية، يدخل ترامب القمة في موقع قوة غير مسبوق داخل الناتو.
إنجاز «تاريخي» لترامب
بحسب تحليل نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، فإن القمة ستشهد إقرارًا لمقترح أمريكي بزيادة الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء في الناتو ليصل إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، بعد أن ظل هدف 2% محل تجاذب على مدى سنوات. وقد أسهم الأمين العام الجديد للحلف، رئيس الوزراء الهولندي السابق مارك روته، في تسويق هذا الهدف لدى الأوروبيين، استجابة لمطالب ترامب.
ويمثّل هذا الاتفاق إنجازًا سياسيًا كبيرًا للرئيس الأمريكي، الذي لطالما اشتكى من «ركوب أوروبا المجاني» على مظلة الحماية الأمريكية، ويُعد مؤشرًا على إعادة هيكلة استراتيجية للحلف، تحت مظلة النفوذ الأمريكي المباشر.
وتنعقد القمة بعد ساعات من إعلان ترامب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وبعد الضربات العسكرية الأمريكية غير المسبوقة التي استهدفت منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، والتي شكّلت أول تدخل عسكري واسع في الولاية الثانية لترامب.
وبحسب جدول أعمال القمة المختصر، فإنها ستبدأ بعشاء رسمي يقيمه العاهل الهولندي الملك ويليم ألكسندر مساء اليوم، يتبعه اجتماع عمل واحد صباح الغد، ثم سلسلة مؤتمرات صحفية، وهو تصميم يتناسب مع طبيعة القيادة الأمريكية الحالية ذات التركيز القصير والديناميكية العالية.
أوكرانيا.. حضور ثانوي وخيبة أمل عميقة
في المقابل، تبدو أوكرانيا الخاسر الأكبر من هذه القمة، إذ لم تُدعَ إلى اجتماع العمل الرئيسي، بل فقط إلى العشاء الافتتاحي، في إشارة سياسية واضحة إلى تراجع دعم الناتو – خصوصًا من قبل واشنطن – لكييف.
وكانت إدارة ترامب قد أوقفت المساعدات العسكرية الجديدة لأوكرانيا، ما عزّز القناعة بأن الحرب في أوكرانيا لم تعد أولوية في السياسة الخارجية الأمريكية.
وقال جيمي شيا، المتحدث السابق باسم الناتو ونائب الأمين العام المساعد، إن القمة ستكون «مخيبة للآمال للغاية بالنسبة لأوكرانيا»، موضحًا أن العديد من الحلفاء كانوا يأملون في موقف أكثر وضوحًا بشأن دعم كييف، وفتح الباب أمام عضويتها في الحلف، وتحديد خطوات أكثر صرامة ضد روسيا.
أوروبا تحاول ملء الفراغ.. ولا تنجح
في ظل تراجع الدعم الأمريكي، تتجه الأنظار إلى الاتحاد الأوروبي ومجموعة الاتصال الخاصة بأوكرانيا، التي ترأسها حاليًا بريطانيا وألمانيا، كمصادر بديلة للدعم العسكري. إلا أن شيا حذّر من أن هذه الأطر لا تستطيع تعويض الفجوة الكبيرة الناتجة عن غياب المساهمة الأمريكية المباشرة.
ورغم هيمنة ملف الشرق الأوسط على الأخبار العالمية، خصوصًا بعد تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل، فإن حلف الناتو لم يلعب أي دور يذكر في هذه التطورات، ما يعكس تهميشًا واضحًا لدور أوروبا في القضايا الإقليمية الساخنة.
مارك روته.. عرّاب التوافق مع ترامب
يُنسب الكثير من النجاحات التي سبقت القمة إلى الأمين العام الجديد للناتو، مارك روته، الذي تعامل بمهارة مع ترامب، ونجح في التوفيق بين مطالبه من جهة، وواقع الحلف من جهة أخرى.
فقد طرح روته خطة تتضمن رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، منها 3.5% مخصصة للجيش، والباقي يُوزع على الأمن السيبراني والاستخبارات والبنية التحتية الدفاعية. وقد تم الاتفاق على الموعد النهائي للتنفيذ بحلول عام 2035، بدلًا من 2032 كما كان يأمل.
وفي مقابلة مع «الغارديان»، أكد روته أن إقناع الحلفاء لم يكن صعبًا، إذ أن الجميع يدرك الخطر الروسي. وحذّر من أن روسيا قد تتمكن من شن «هجوم ناجح على الناتو» خلال الفترة ما بين 2028 و2030، مما يتطلب استعدادًا غير مسبوق.
مناورة إسبانية عشية القمة
في اللحظات الأخيرة، أعلنت إسبانيا أنها لن تلتزم بهدف 3.5%، لكنها لن تعارض إقراره، واكتفت بتعهد بنسبة 2.1%. وأثار هذا الموقف استياء دبلوماسيًا واسعًا، إلا أن روته أصر على أن «لا استثناءات، ولا خيارات انسحاب»، مؤكدًا أن جميع الدول ستصل إلى الهدف مع الوقت.
وبالنسبة لدول مثل بولندا، التي تجاوزت بالفعل هذا المستوى بسبب التهديد الروسي المباشر، فإن الالتزام الجديد لا يشكّل فارقًا كبيرًا. لكنه يُعد تحوّلاً جذريًا بالنسبة لدول مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة.
ورغم التحديات تسجّل قمة لاهاي لحظة فارقة في مسيرة الناتو. فهي قمة تتويج لترامب، ومقدمة لإعادة رسم ملامح الحلف في ظل ميزان قوى جديد، تطغى عليه عودة أمريكا المتدخلة، وأوروبا المتحفظة، وأوكرانيا التي تبحث عن حلفاء جدد.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز