خلال تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل منذ فجر الجمعة 13 يونيو 2025، عانت أجواء الشرق الأوسط واحدة من أعنف الاضطرابات الجوية، ليس فقط بفعل الصواريخ والطائرات المسيّرة، بل بإغلاق واسع للمجالات الجوية، وانقطاع سلاسل الطيران المدني فوق المنطقة.
وسط هذا الارتباك، برزت مصر كلاعب رئيسي في إنقاذ المجال الجوي الإقليمي للمرة الثانية خلال أقل من عام، بعد أن أبقت على أجوائها مفتوحة وآمنة في وجه عاصفة سياسية وعسكرية خانقة.
مصر تُبقي الباب مفتوحًا
مع تصاعد الضربات العسكرية المتبادلة بين طهران وتل أبيب، وامتداد المواجهات إلى استهداف قواعد عسكرية أمريكية في الخليج، أعلنت دول خليجية عدة، أبرزها قطر والسعودية والإمارات، إغلاق مجالاتها الجوية، أمس، بعد استهداف قاعدة العُديد الأمريكية في قطر بضربات إيرانية غير مسبوقة.
وبحسب موقع “فلايت رادار 24” المتخصص في تتبع حركة الطيران المدني، ظهر المجال الجوي فوق الشرق الأوسط خاليًا تقريبًا من الحركة، باستثناء المجال الجوي المصري الذي بقي الوحيد المفتوح والفعّال.
في لحظة فارقة، تحوّلت الأجواء المصرية إلى الملجأ الوحيد وسط المخاوف المتصاعدة والتحذيرات الملاحية، لينقذ مئات الطائرات من التشتت، وأبقى على استمرارية الملاحة في منطقة محاصرة بالصواريخ.

بداية الاضطراب
بدأت الأزمة الجوية عقب الهجمات الإسرائيلية فجر الجمعة 13 يونيو، التي استهدفت منشآت نووية ومواقع عسكرية في الداخل الإيراني، ما دفع طهران إلى الردّ بسلسلة ضربات طالت مصالح أمريكية في المنطقة، ودخلت المواجهة في مسار متصاعد لم يشهده الشرق الأوسط منذ سنوات.
مصر تضبط إيقاع الطيران المدني
الكثير من شركات الطيران أوقفت رحلاتها أو غيّرت مساراتها، ودخلت حركة الطيران المدني في حالة من الفوضى والترقب، وفي هذا المشهد المربك، أصدرت وزارة الطيران المدني المصرية بيانًا رسميًا، الجمعة 13 يونيو، أكدت فيه أن المجال الجوي المصري “يعمل بشكل طبيعي وآمن تمامًا”، مشيرة إلى أن المطارات المصرية تواصل العمل وفقًا لأعلى معايير السلامة الدولية.
احترافية مصرية في إدارة المجال الجوي
وأكد النائب الطيار محمود القط، عضو مجلس الشيوخ، أن ما شهدته مصر من جاهزية وقدرة احترافية في التعامل مع تداعيات الأزمة الجوية الناتجة عن التصعيد الإيراني الإسرائيلي، هو ثمرة استثمار طويل المدى امتد لأكثر من 11 عامًا، تركز على تطوير البنية التحتية، ورفع كفاءة المراقبة الجوية، وتخطيط وتجهيز منظومة الدفاع الجوي المصري.
وأضاف القط لـ”تليجراف مصر”، أن الموقع الجغرافي والجيوسياسي للدولة المصرية جعلها دائمًا في قلب الأحداث الإقليمية، موضحًا أن مصر تمارس سيادتها الكاملة على أجوائها، كما تمارسها على أراضيها، لافتا إلى أن الأزمات المتلاحقة أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن مصر تمتلك منظومة مراقبة جوية على أعلى مستوى عالمي، إلى جانب إدارة أزمات متقدمة في قطاع الطيران المدني، وقوات دفاع جوي قادرة على تأمين سماء الوطن على امتداد مليون كيلومتر مربع.
شهادة من الجو “مصر الحضن الآمن”
وفي واحدة من أكثر الشهادات تداولًا على منصات التواصل الاجتماعي، جاءت من الطيار المصري أحمد مشعل، الذي كتب منشورًا على حسابه على “فيسبوك” يصف فيه لحظات إغلاق الأجواء حوله، قائلاً: “كنت في الجو، والمجال الجوي حوالينا بيقفل. الطائرات القطرية مش عارفة تتواصل مع شركتها، مفيش مطارات بديلة، والسعودية بدأت تقلل استقبال الطائرات، وفجأة مصر بتبلّغ الطيارين القطريين: اتفضلوا شرم الشيخ، الأقصر، أسوان، الغردقة… مصر فاتحة أبوابها”. وأضاف: “حسّيت يعني إيه كلمة أمان بجد… بلدك موجودة، وقادرة، وفاتحة حضنها ليك ولغيرك”.
الاستعدادات المصرية: جاهزية على مدار الساعة
في أحدث بيان رسمي صدر، أمس، أكدت وزارة الطيران المدني استمرار كفاءة واستقرار المجال الجوي المصري بالكامل، رغم التطورات الإقليمية، مشيرة إلى أن حركة الملاحة تسير بسلاسة في جميع المطارات، مع رفع حالة التأهب القصوى تحسبًا لتحويلات جوية إضافية.
وأكد البيان جاهزية المطارات المصرية من الناحية الفنية والتشغيلية والبشرية لاستقبال أية طوارئ، مع استمرار التنسيق مع شركات الطيران العالمية لضمان انسيابية الخدمة بأعلى معايير الجودة والسلامة.
وبحسب عضو مجلس الشيوخ: “الأزمة الأخيرة بين إيران وإسرائيل جاءت مفاجئة من حيث التوقيت وحجم التأثير، إلا أن السماء المصرية نجحت في استيعاب حركة جوية كثيفة وغير مسبوقة، وصلت إلى ثلاثة أضعاف المعدلات الطبيعية، وتعاملت معها بكفاءة ومهنية عالية”.
“مسؤولية إنسانية”
وأضاف القط “ما حدث دليل حيّ على أن مصر لم ترفض دخول أي طائرة إلى أجوائها، رغم أن ذلك من حقوقها القانونية طبقًا لقواعد الطيران الدولي في أوقات الطوارئ، لكن مصر التزمت بمسؤوليتها الإنسانية تجاه الطائرات المدنية، التي لا علاقة لها بالأزمات السياسية والعسكرية، كما التزمت بمعايير العضوية في المنظمة الدولية للطيران المدني (ICAO)، التي تنص على إجراءات خاصة للتعامل مع حالات الطوارئ”.
غياب الأرقام
ومنذ 13 يونيو وحتى الآن (24 يونيو 2025)، تتبعت “تليجراف مصر” البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الطيران المدني، وثُبت عدم وجود إعلان رسمي من الوزارة، عن أرقام الرحلات المحوّلة أو المتجاوزة للأجواء المصرية.
واختتم القط تصريحاته، مشيرًا إلى أن التقديرات الأولية تشير إلى أن مصر استقبلت ثلاثة أضعاف حجم الحركة الجوية المعتادة خلال الأزمة الإيرانية الإسرائيلية، فيما يُنتظر صدور الأرقام الرسمية بعد انتهاء الأزمة وإتمام أعمال التقييم والتحليل من الجهات المختصة.