يعيش حلف الناتو مأزقا غير مسبوق في لحظة بالغة الحساسية في تاريخه، إذ تواجه أوروبا أخطر صراع على أعتابها منذ الحرب العالمية الثانية.
وذكرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية أن القادة الأوروبيين سيسعون جاهدين خلال القمة التي تُعقد في مدينة لاهاي الهولندية، لإقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدم سحب القوات والأسلحة الأمريكية من القارة، أو وقف الدعم العسكري الحيوي لأوكرانيا الذي ساعدها حتى الآن في صد الاجتياح الروسي.
لكن ترامب لم يكتفِ بالشكوى من اعتماد الأوروبيين المفرط على الولايات المتحدة، بل شكك صراحة في مبدأ الدفاع المشترك الذي تأسس عليه الحلف عام 1949، محذراً من أن الولايات المتحدة قد لا تهبّ للدفاع عن الدول التي لا تلتزم بالإنفاق العسكري المطلوب، مما أثار صدمة حقيقية لدى القادة الأوروبيين ودفعهم لإعادة النظر في سياساتهم الدفاعية.
ما هو حلف الناتو؟
تأسس حلف شمال الأطلسي عام 1949 لحماية أوروبا الغربية من التهديد السوفيتي، ويعتمد على المادة الخامسة من ميثاقه التي تنص على أن أي هجوم على عضو يُعد هجومًا على جميع الأعضاء.
وبعد انتهاء الحرب الباردة، استمر الحلف كرمز للشراكة الأمنية عبر الأطلسي، ووسع عضويته من 12 دولة إلى 32، بعد انضمام دول أوروبا الشرقية التي كانت ضمن حلف وارسو سابقاً، كما انضمت فنلندا والسويد مؤخراً كرد فعل مباشر على العدوان الروسي على أوكرانيا.
وتخطى دور الناتو حدود الدفاع عن الدول الأعضاء ليشمل مهام إنسانية، ومكافحة الإرهاب، والدفاع السيبراني، وإدارة أزمات اللاجئين، والتعامل مع تحديات الصين، بالإضافة إلى النزاعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
لماذا يتعرض الناتو للضغوط؟
خلال ولايته الأولى (2017–2021)، بدأ ترامب يشكك بالتزام الولايات المتحدة تجاه المادة الخامسة، وربط الدعم العسكري الأمريكي بمدى التزام حلفاء الناتو بإنفاقهم الدفاعي، مطالباً الحلف بلعب دور أكبر في الشرق الأوسط، الأمر الذي أربك أولويات الحلف التقليدية.
كما تعرض الناتو لهزات أخرى بسبب تحركات تركيا العسكرية الأحادية في سوريا وشرائها لمنظومة الدفاع الصاروخي الروسية إس-400، مما أثار قلق شركائها، لا سيما اليونان.
وبعد عودة ترامب إلى الحكم، قلّص الدعم الأمريكي لأوكرانيا ودعا إلى تسوية تفاوضية مع روسيا، ما أثار قلق الأوروبيين من أن يتجرأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استهداف دولة شرقية عضو في الناتو.
إلى أي مدى يعتمد الناتو على الولايات المتحدة؟
يشعر العديد من أعضاء الناتو أن انسحاب الولايات المتحدة قد يعني نهاية الحلف فعليًا، فالجيش الأمريكي هو العمود الفقري للتحالف، وتزايدت هيمنته بعد تصاعد الإنفاق العسكري الأمريكي عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول.
يضاف إلى ذلك، معاناة معظم الجيوش الأوروبية من نقص الخبرة في إدارة عمليات قتالية كبيرة متعددة الجنسيات، وتعتمد على واشنطن في مجالات القيادة والتنسيق الاستراتيجي والطيران الثقيل والأسلحة بعيدة المدى والاستطلاع المتقدم، وهي عناصر أساسية للردع والحرب وفقاً لعقيدة الناتو.
جوهر انتقادات ترامب لحلفاء الناتو
يرى ترامب أن غالبية دول الناتو لا تلتزم بإنفاق 2 في المائة من ناتجها المحلي على الدفاع، وهو الهدف الذي تم الاتفاق عليه عام 2006 وأُعيد التأكيد عليه عام 2014 بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
وخلال قمة عام 2018، اقترح مضاعفة هذا الهدف إلى 4 في المائة. وفي حملته الانتخابية لعام 2024، أعاد ترامب الخطاب ذاته، مصرحًا بأنه “سيشجع روسيا على فعل ما تشاء” مع الدول التي لا تلتزم بالإنفاق المطلوب، وهو ما اعتُبر تهديدًا مباشرًا لمصداقية المادة الخامسة.
كيف استجابت الدول الأوروبية؟
بحلول منتصف 2024، كانت 23 من أصل 32 دولة عضوة في الناتو على الطريق الصحيح لتحقيق هدف 2 في المائة، مقارنة بثلاث دول فقط عام 2014. وألغت ألمانيا، التي طالما تبنّت سياسة دفاعية متواضعة، القيود الدستورية على الاقتراض لأغراض الدفاع، وأطلقت برنامجًا لتحديث جيشها بميزانية خاصة قدرها 100 مليار يورو (115 مليار دولار).
ويتوقع في قمة لاهاي، رفع سقف الإنفاق الدفاعي إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحيث تخصص 3.5 في المائة للنفقات العسكرية المباشرة، و1.5 في المائة للأمن السيبراني والمهام المرتبطة بالدفاع.
ولا تزال المفاوضات جارية حول كيفية تصنيف النفقات المؤهلة والمهلة الزمنية لتحقيق هذا الهدف، بينما نالت إسبانيا استثناءً من الالتزام الكامل.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز