قمة ريو المرتقبة.. «بريكس» تعزز التبادل التجاري عبر العملات الوطنية

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



ألمح عدد من كبار المبعوثين من دول مجموعة «بريكس» إلى أن تركيز القمة القادمة سينصب على توسيع استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري.

جاء هذا قبل أسابيع من انعقاد القمة السابعة عشرة لدول بريكس في ريو دي جانيرو. ويأتي هذا التوجه في ظل تصاعد حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية الأمريكية الحمائية في عهد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مما يدفع دول بريكس للبحث عن أدوات تحصنها اقتصادياً وتقلل اعتمادها على الدولار بدلاً من الدفع نحو إطلاق عملة موحدة.

ووفقا لتقرير لموقع “ايه بي دي” جاءت هذه التصريحات خلال مؤتمر رفيع المستوى بعنوان “بريكس في ريو: تشكيل نظام عالمي شامل ومستدام”، نظمته سفارة البرازيل في الهند بالشراكة مع مركز رؤى الهند العالمية (CGII)، وهو مركز أبحاث يهتم بالشؤون الدولية. وشهد المؤتمر مشاركة دبلوماسيين رفيعي المستوى من دول بريكس والدول المنضمة حديثًا إلى التكتل.

ومن المقرر أن تُعقد قمة بريكس يومي 6 و7 يوليو/تموز في ريو دي جانيرو، برئاسة البرازيل بصفتها الدولة المضيفة ورئيسة الدورة الحالية للتكتل. ومن المنتظر أن يشارك في القمة قادة بارزون، من بينهم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، إلى جانب قادة من الأعضاء الجدد مثل إندونيسيا، ومصر، والإمارات.

منصة لإيجاد حلول

السفير الروسي لدى الهند، دينيس أليبوب، جدد دعم موسكو القوي لاستخدام العملات المحلية في التبادل التجاري بين دول بريكس، ووصف التكتل بأنه “منصة جدية لمناقشة حلول مشتركة للتحديات الكبرى”. وأكد أن بريكس ليست تكتلاً مناهضًا للغرب، بل هي تحالف قائم على المساواة والسيادة والاحترام المتبادل. وقال: “بريكس ليست كتلة مضادة، بل مركز جذب للدول الساعية لاحترام متبادل وعدم تدخل”.

وعلى الرغم من الحديث المتزايد حول إمكانية إطلاق عملة موحدة لبريكس، اتفق المشاركون في المؤتمر على أن المشروع لا يزال بعيد المنال، إذ يتطلب تنسيقًا هيكليًا وماليًا عميقًا، وهو أمر لم يتحقق حتى في الاتحاد الأوروبي رغم تقاربه الاقتصادي الكبير.

من جانبه، أوضح ممثل الهند في بريكس وسكرتير العلاقات الاقتصادية بوزارة الخارجية، دامو رافي، أن النقاش حول العملة الموحدة ما زال في مراحله الأولى، قائلاً: “حالياً، نحن نركز فقط على تسوية التجارة باستخدام العملات الوطنية. تنسيق السياسات المالية والنقدية مهمة صعبة للغاية”.

عملة موحدة؟

ومن جهته، أكد السفير البرازيلي لدى الهند، كينيث نوبريغا، على أن مسألة العملة الموحدة “بعيدة المدى”، لكنه أشار إلى أن “التجارة بالعملات المحلية تعمل بالفعل”.

ويُعد استخدام العملات المحلية في التجارة بين دول بريكس خياراً عملياً بدأ تطبيقه فعلاً، حيث أبرمت دول مثل روسيا والهند والصين اتفاقيات ثنائية لتجاوز الدولار في العديد من التعاملات، وذلك في مسعى لتعزيز نظام مالي عالمي متعدد الأقطاب.

إلى جانب هذا التوجه، شهد المؤتمر مناقشات حول ضرورة إصلاح المؤسسات الدولية لتكون أكثر شمولاً وتمثيلاً للجنوب العالمي، خصوصًا مع انضمام أعضاء جدد إلى التكتل. فبعد أن كانت بريكس تتكون من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، توسعت المجموعة في عام 2024 لتضم مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات، بينما انضمت إندونيسيا رسميًا في 2025.

ودعت السفيرة الإندونيسية، إينا كريسنمورثي، بقوة إلى إصلاح النظام العالمي الحالي، مشيرة إلى أن “النظام القائم على القواعد يصطدم الآن بحدود رؤيته التأسيسية”. وانتقدت إخفاق المؤسسات متعددة الأطراف في التعامل مع التحديات العالمية الأخيرة، مؤكدة أن انضمام إندونيسيا لبريكس يتماشى مع سياسة عدم الانحياز التي تنتهجها البلاد منذ عقود.

وشددت كريسنمورثي على أولويات إندونيسيا داخل التكتل، والتي تشمل تمثيلًا أفضل للدول النامية، وتسريع آليات اتخاذ القرار، وتعزيز المساءلة في المؤسسات الدولية. وأضافت: “الجنوب العالمي يمثل اليوم 85% من سكان العالم و39% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لكن المؤسسات الدولية لا تعكس هذا الواقع”.

ولفتت إلى أن الطبقة الوسطى في آسيا تشهد نموًا مذهلاً، مشيرة إلى أنه “في عام 2000، كان هناك 150 مليون شخص يعيشون ضمن الطبقة الوسطى، واليوم يصل العدد إلى 1.5 مليار -أي أكثر من ضعف عدد سكان الدول الغربية مجتمعة”.

وشددت على أن نجاح بريكس يجب أن يُقاس بمدى قدرتها على تحقيق نتائج ملموسة، لا مجرد تبادل الحوارات، لا سيما في مجالات مثل تمويل المناخ، والمساعدات الإنسانية، وعدالة البيانات الرقمية.

توافق واسع

أما السفير المصري لدى الهند، كامل جلال، فقد أكد على أن مصر وإن كانت انضمت رسميًا إلى بريكس مؤخرًا، إلا أنها “لطالما اعتبرت نفسها عضوًا طبيعيًا في المجموعة منذ تأسيسها”. وشدد على ضرورة أن تركّز القمة القادمة في ريو على ملفات تحظى بتوافق واسع بدلاً من الانخراط في قضايا خلافية.

وفي ما يخص الأمن الإقليمي، أشار جلال إلى النزاعات الجارية في غزة وسوريا ولبنان والسودان وإيران، داعياً إلى إصلاح النظام المتعدد الأطراف بشكل يعكس الديناميكيات الجديدة والدور المتصاعد للدول النامية.

وفي ختام كلمته، استشهد السفير المصري بمقولة من كتاب الموتى المصري: “ما أكرهه هو الجهل، وضيق الخيال، والعين التي لا ترى أبعد من صنمها. كل شيء ممكن. من تكونه محدود بما تعتقده عن نفسك”. ودعا إلى تجاوز ثلاثية “الصراع والأزمة والتحدي”، واستبدالها بمبادئ “التعاون، التكامل، التوافق، والتماسك”.

واختُتم المؤتمر بجلسة أسئلة وأجوبة تفاعلية، تناولت مستقبل المؤسسات في إطار بريكس، وإمكانية إنشاء عملة موحدة، وطموحات التكتل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ومن خلال النقاشات، ظهر توجه واضح نحو تحويل بريكس من منصة حوار إلى أداة فاعلة في إعادة تشكيل النظام العالمي بما يخدم مصالح الدول النامية بشكل أوسع وأعمق.

aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز FR



‫0 تعليق

اترك تعليقاً