في خطوة جديدة تعكس تحولًا نوعيًا في العلاقة بين الدولة ومجتمع الأعمال، نظم الدكتور أحمد كجوك، وزير المالية، مؤتمرًا موسعًا شهد تكريم عدد كبير من الممولين المتميزين والداعمين للمسار الضريبي المحفز، تحت شعار “ثقة.. شراكة.. يقين”، وذلك بالتزامن مع إعلان النتائج المبدئية للحزمة الأولى من التسهيلات الضريبية التي بدأ تطبيقها فعليًا في جميع المأموريات والمراكز الضريبية على مستوى الجمهورية.
وزير المالية
أكد وزير المالية خلال كلمته أن هذه المرحلة تمثل انطلاقة مختلفة في السياسة الضريبية، قائلًا: “معًا نطور خدماتنا الضريبية من أجل رضاء الممولين”، مشيرًا إلى أن الإصلاحات الأخيرة التي أطلقتها الوزارة ومصلحة الضرائب المصرية ساهمت في بث حالة من الثقة لدى مجتمع الأعمال، ودفعت العديد من الكيانات إلى الدخول في المنظومة الضريبية طوعًا، بما يسهم في توسيع القاعدة الضريبية وتعزيز الإيرادات العامة دون اللجوء إلى فرض أعباء إضافية.
الحزمة الضريبية
وأظهرت النتائج الأولية للحزمة الضريبية الجديدة زيادة بنسبة 22٪ في تسجيل الممولين الجدد، إلى جانب تراجع ملموس في عدد النزاعات الضريبية، وتحسن كبير في مؤشرات رضاء المتعاملين داخل المراكز الضريبية. هذه النتائج تعكس أثرًا ملموسًا للإصلاحات وتبني الوزارة لفكر إداري أكثر مرونة وانفتاحًا على أطراف المنظومة الضريبية كافة.
المكرمين
المشهد الأبرز في هذا المؤتمر كان حجم وتنوع قائمة المكرمين، حيث شملت شخصيات عامة بارزة مثل الدكتور محمد فريد، والدكتور زياد بهاء الدين، والدكتور أشرف العربي، إضافة إلى مسؤولين من مؤسسات وهيئات كبرى مثل الهيئة العامة للرقابة المالية، ومعهد التخطيط القومي، والهيئة الوطنية للصحافة، فضلًا عن ممثلين عن البرلمان والاتحادات الصناعية والتجارية، مثل أحمد الوكيل، ومحمد البهي، وعلي عيسى، وعلاء السقطي.
القطاع المصرفي والمالي
ومن القطاع المصرفي والمالي، تم تكريم قيادات بارزة بالبنوك الكبرى وشركات التكنولوجيا المالية، أبرزهم هشام عكاشة، رئيس بنك مصر، وإبراهيم سرحان رئيس شركة إي فاينانس، وخالد عبد الغني رئيس شركة إي تاكس. كما شمل التكريم عددًا من ممثلي الشركات الكبرى مثل أوراسكوم، السويدي إليكتريك، توتال إيجيبت، إعمار مصر، وسوديك، إلى جانب مكاتب المحاسبة الرائدة، ما يشير إلى توجه واضح لتعزيز الشفافية والمسؤولية في التعامل الضريبي لدى هذه الكيانات.
الشخصيات العامة والفنية والإعلامية
المثير للاهتمام أن التكريم امتد أيضًا إلى الشخصيات العامة والفنية والإعلامية، في سابقة لافتة، شملت الفنانين خالد زكي، مصطفى خاطر، شيكو، وهيدي كرم، فضلًا عن الإعلاميين شريف عامر ومحمد علي خير، إضافة إلى قيادات من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية مثل طارق نور وعمرو الفقي، وهو ما يعكس إدراكًا متزايدًا لدى الدولة بأهمية الدور المجتمعي والتوعوي للإعلام والفن في ترسيخ ثقافة ضريبية إيجابية.
صناع المحتوى
كان من أبرز مفاجآت المؤتمر تكريم عدد من صناع المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل محمد البسيوني وأحمد طلعت وأحمد هشام ومحمد رجب، وهي رسالة مباشرة من الدولة تؤكد اهتمامها بضم الاقتصاد الرقمي غير الرسمي إلى المنظومة الضريبية، ولكن من خلال آليات ناعمة تقوم على التحفيز والتقدير وليس الإلزام القسري أو العقاب، وهو ما قد يسهم في استيعاب فئات جديدة لم تكن مندمجة في النظام الضريبي من قبل.
الإدارة الضريبية المصرية
هذا الحدث، وإن بدا في ظاهره احتفاليًا، إلا أنه يحمل رسائل أعمق تتعلق بتغيير جذري في فلسفة الإدارة الضريبية المصرية، التي تتحول تدريجيًا من نهج الجباية إلى سياسة الشراكة، ومن منطق الرقابة والتفتيش إلى ثقافة الامتثال الطوعي، بما يتسق مع الاتجاهات العالمية في الحوكمة المالية وإدارة الإيرادات العامة.
ممثلي النقابات
ورغم الإشادة الواسعة بهذه المبادرة، إلا أن بعض الملاحظات تفرض نفسها، أبرزها غياب ممثلي النقابات المهنية الكبرى مثل نقابات الأطباء والمهندسين والمحامين، وكذلك عدم تمثيل فئات من أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر أو الحرفيين، رغم كونهم جزءًا أصيلًا من هيكل الممولين، ما يثير التساؤلات حول مدى شمولية الرؤية الحكومية لكافة أطياف المجتمع الضريبي.
الشفافية في المعايير
في النهاية، يمكن القول إن وزارة المالية نجحت في إطلاق مبادرة ذات دلالة رمزية وسياسية واقتصادية، لكنها في الوقت نفسه تفتح الباب أمام مرحلة اختبار حقيقية، فاستدامة هذا النهج تتطلب مزيدًا من الشفافية في المعايير، وتوسيع نطاق الحوافز، وتعميم التجربة على كافة الفئات دون استثناء، ليصبح شعار “الثقة والشراكة واليقين” واقعًا حقيقيًا في كل مأمورية وقطاع ضريبي بمصر.
