شبهات أدخلت جانبها «المظلم» دائرة الضوء قبل أن تطيح بالغطاء الخيري الذي كانت تخفي وراءه شبهات التطرف، لتنتهي بالحظر.
«البركة سيتي»، الجمعية المحظورة منذ سنوات بفرنسا تعود للواجهة مجددا، لكن هذه المرة كخلفية لرئيسها المستهدف بإجراءات تجميد الأصول.
ويأتي الإجراء في إطار تدابير أقرتها الحكومة الفرنسية لتطويق المؤسسات والأفراد المنتمين للإخوان أو المرتبطين بهم.
ووفقًا لمعلومات كشفت عنها صحيفة “ليبراسيون”، وطالعتها «العين الإخبارية»، فإن ما لا يقل عن اثنتي عشرة منظمة، بما في ذلك دور نشر، أو أفراد، مستهدفون بتجميد الأصول، الذي نُشر في الجريدة الرسمية منذ أوائل يونيو/ حزيران الماضي.
ومن بين المستهدفين إدريس سهامي، رئيس جمعية “بركة سيتي”، وهي واحدة من المؤسسات الدينية التي حظرتها فرنسا منذ سنوات في إطار محاربتها للتنظيمات المتطرفة.
وسهامي كان الذراع اليمنى السابق لحفيد مؤسس الإخوان طارق رمضان في فرنسا، لكنه انتقل للعيش في بريطانيا منذ حظر جمعيته.
في ما يلي، تستعرض «العين الإخبارية» لمحة عن الرجل عبر العودة على أبرز المحطات في مسار جمعيته من التأسيس إلى الحظر.
التأسيس والشبهات
قبل سنوات، كان مقر الجمعية بضاحية كوركورون جنوبي باريس يعج بحركة مزيفة عنوانها تنظيم حملات تبرع خصوصا خلال شهر رمضان.
ومع الوقت، امتدت أنشطة الجمعية خارج فرنسا، وظهر عدد من أعضائها في دول أفريقية وهم يقدمون ما يقولون إنه إغاثة.
تقول الجمعية إنها ولدت من رحم مبادرة محلية عام 2008، قبل أن تصبح جمعية مرخصة في 2011، وفي العام ذاته بدأت العمل خارج حدود فرنسا.
أسسها السلفي إدريس سهامي الذي غالبا ما كان يؤخذ عليه عدم وضوح بعض مواقفه.
وطوال سنوات نشاطها، لطالما كانت الجمعية محط شبهات، حيث داهمتها السلطات الفرنسية في عام 2015 للاشتباه بارتباطها بتمويل الإرهاب، وقبلها، تعرضت في عام 2014 لغلق حساباتها في مصارف فرنسية.
كما خضعت لعمليات تفتيش في 2017 وذلك في إطار تحقيقات حول شبهات تمويل الإرهاب والانخراط في عمليات إجرامية إرهابية.
رغم الحل
إلا أنه في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، عادت المؤسسة إلى الواجهة حينما ضبطت السلطات مؤسسها إدريس سيهامي يقود شاحنة تعود للمنظمة رغم حلّها، من دون صفة قانونية تسمح له بذلك، وأُدين بتهمة “إساءة استخدام الثقة”، وفُرضت عليه غرامة مالية.
وفي إطار سياسة أوسع لمحاصرة “البيئات الإسلام السياسي المتشددة”، استهدفت الحكومة الفرنسية مؤخرًا مجموعة من الشخصيات المقربة من الأوساط الإخوانية والسلفية بقرارات تجميد أصولهم المالية.
ومن بين هذه الشخصيات، برز اسم مؤسس سهامي مؤسس الجمعية، وهو الذراع الأيمن السابق بفرنسا لطارق رمضان حفيد مؤسس الإخوان.
وسهامي هو أيضا مؤسس موقع “القباب والمآذن”.
وتأتي التدابير بعد أسابيع من إبلاغ الداخلية الفرنسية “المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية” بإخطار حله في إطار إجراءات تغلغل الإخوان بفرنسا.
والمعهد ينشط في مجال تدريب الأئمة، وسبق أن تعالت أصوات في فرنسا تحذر من أنه «وكر لتفريخ الإرهاب».
وإجمالا، تعكس هذه التحركات صحوة فرنسية للتصدي للمد الإخواني المتنامي على أراضيها، والمنتشر ضمن شبكات واسعة من الجمعيات والمنظمات والأفراد ممن يقدمون واجهة مختلفة عن حقيقة أنشطتهم.
كما يُعدّ محاولة من السلطات الفرنسية لغلق ملفات المؤسسات الإخوانية المعلّقة، على غرار “بركة سيتي”.
إغاثة ودعوة وملاحقة
وكانت “بركة سيتي” قد برزت سريعًا كمنظمة ذات شعبية واسعة في أوساط الشباب المسلم الفرنسي. ركّزت أنشطتها على تقديم المساعدات للمسلمين في مناطق النزاع، مع خطاب ديني محافظ اعتبره بعض المتابعين امتدادًا للإسلام السياسي.
ووصفها الخبير الفرنسي في شؤون الإسلام برنار غودار بأنها “نموذج للجمع بين البُعدين الإنساني والدعوي الصارم”، وشكّلت المنظمة تجسيدًا لما يُعرف بـ”الإسلام الاجتماعي الجديد” في فرنسا، بحسب صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.
الانتشار والتمويل
نشطت “بركة سيتي” في أكثر من 22 دولة، خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا.
وتبنت حملات إنسانية كبرى من بينها “الماء هو الحياة” في توغو، وسيرت قوافل إغاثة إلى سوريا. وفي الداخل الفرنسي، نظّمت حملات لمساعدة المشردين وتكفلت بمصاريف دفن اللاجئين في كاليه.
ورغم أنها لم تتلقّ دعمًا رسميًا من مؤسسات إنسانية كبرى، فإنها جمعت منذ 2013 نحو 16 مليون يورو، من خلال تبرعات فردية فقط.
ومن بين داعميها لاعبون في الدوري الفرنسي، ومغنون مثل لافوين وروف، كما أكدت المنظمة مرارًا.
من التمدد إلى المواجهة
بدأت الأنظار تُسلَّط على “بركة سيتي” بقوة بعد ظهور رئيسها في برنامج Le Supplément على قناة «كانال بلاس» عام 2016، حيث تهرّب من إدانة “داعش” بشكل مباشر، معتبرًا السؤال “غير عادل”، محاولًا تبرير خطابه بـ”البيداغوجيا مع الشباب المسلم”.
وهذا الموقف فجّر موجة جدل سياسي وإعلامي وُصفت بأنها بداية القطيعة بين المنظمة والدولة.
وفي عام 2020، قررت السلطات حل “بركة سيتي” إداريًا، بتهمة نشر “خطاب إسلاموي متشدد”، وهي تهمة نفاها سيهامي مرارًا.
خطاب متشدد
بعد حلّ المنظمة، انتقل سيهامي إلى بريطانيا، وواصل خطابًا هجوميًا على “تويتر”، متبنيًا حملات مثل #FreeMoussa، ومنددًا بما وصفه بـ”الإسلاموفوبيا الفرنسية”.
كما اتهم الإعلام الفرنسي بـ”التلفيق والمصائد الإعلامية” في تغطيته لـ”بركة سيتي”.
والمنظمة كانت تنشط إعلاميًا بقوة، حيث اعتمدت أساليب إنتاج احترافية، وركّزت على حملات عاطفية عبر “السوشيال ميديا”.
وحملاتها المصوّرة، التي تمزج بين مشاهد الحرب، والدعوة، والإغاثة، وأحيانًا التمرد، جذبت آلاف المتبرعين الشباب الذين رأوا فيها بديلًا إنسانيًا وعقائديًا عن المؤسسات الغربية.
الجدل حول الأيديولوجيا
وفقًا لمصادر رسمية، كانت “بركة سيتي” “تحت المراقبة” منذ سنوات، خاصة بسبب نشاطها في سوريا، وارتباطها بخطاب ديني متشدد.
وقد فشلت حملات التفتيش في إثبات تورّطها بأي نشاط إرهابي، إلا أن خطابها وهويتها الأيديولوجية ظلّا مصدر قلق دائم لدى الدولة الفرنسية.
الإرث والانقسام
رغم حلّها، ما تزال “بركة سيتي” تمثل نموذجًا مثيرًا للجدل في فرنسا: بين من يرى فيها منصة دعم مجتمعي ومسلم، وبين من يعتبرها واجهة لخطاب إسلامي غير متوافق مع قيم الجمهورية.
ويبدو أن إدراج اسم مؤسسها على قائمة تجميد الأصول سيكون فصلا جديدا في حرب فرنسا على الإخوان وأتباعهم والمرتبطين بهم.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز