حكاية “إمام الموهوبين”.. من سيلفي فرحة الـ220 جنيه إلى أغلى عقد في القارة

 بدأت قصة إمام عاشور بين الأزقة والشوارع في مدينة السنبلاوين، لينتقل بعدها إلى غزل المحلة، ومنها إلى اللعب مع الزمالك والأهلي وتمثيل منتخب مصر.

طفل لم يتجاوز التاسعة من عمره، شدّ انتباه الجميع بموهبته الفطرية، متسلحًا بالإصرار، ومتشبثًا بالحلم، رغم تجاهل بعض المدربين له وحادثة كادت تنهي حياته، ودموع أم حزينة بسبب احتمالية انتهاء مسيرة ابنها.

ومن مداعبة كرة سقطت في المدرجات، إلى الانضمام إلى فريق يكبره 6 سنوات، ومن صورة سيلفي مع 220 جنيهًا تمثل أول مكافأة حقيقية في مسيرته، إلى حلم لا يزال يراوده باللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز.

ويستعرض “تليجراف مصر” بداية إمام عاشور مع عالم كرة القدم وتبلور موهبته في نادي غزل المحلة قبل أن يصبح أحد نجوم الدوري المصري ومنتخب مصر كالتالي:

مداعبة الكرة

بدأ إمام عاشور مسيرته الكروية في مدرسة الكرة بنادي السنبلاوين تحت إشراف الثنائي حامد فهيم، نجم المنصورة السابق.

وخلال تواجده بمدرسة الكرة، اعتاد الطفل الصغير على اللعب ضد أندية القاهرة، ليلعب خارج وجه بحري، وفي إحدى المرات قرر بروح المراوغة الذهاب لمدينة الإسماعيلية لخوض اختبارات نادي الإسماعيلي رفقة مسعد عوض حارس مرمى الأهلي السابق، ونجحا معًا في اجتيازها، لينضم معوض إلى النادي قبل أن يتعثر انتقال إمام عاشور إلى الدراويش.

اعتاد الطفل الصغير الذهاب إلى رؤية أخويه حازم ومحمد خلال تدريبات غزل المحلة، وخلال إحدى المباريات خرجت الكرة إلى المدرجات حيث يتواجد إمام عاشور ليبدأ في مداعبة الكرة وتنطيطها قبل أن يعيدها إلى الملعب مرة أخرى.

لم تمر اللقطة مرور الكرام ليلفت انتباه عمر عبد الله، مدير قطاع الناشئين في غزل المحلة آنذاك، الذي أدرك من الوهلة الأولى الموهبة الكبيرة التي يمتلكها الطفل الصغير.

جاءت اللحظة الذي ينتظرها الطفل الصغير للكشف عن إمكانياته، بعد إلغاء إحدى الوديات، ليقرر المدرب مصطفى عبده عمل تقسيمة بين اللاعبين في التدريب، لكنه واجه أزمة بسبب النقص العددي في صفوف الفريق، ليقرر الاستعانة بـ إمام عاشور، لكن المشكلة الأكبر أنه أصغر بـ6 سنوات عن كل اللاعبين.

النجاة من الموت

تحدثت موهبة إمام عاشور عن نفسها، ليقدم أداءً مذهلاً في التقسيمة لينتزع آهات الحاضرين على صغر سنه.

وعلى الفور، عرض النادي التوقيع مع اللاعب لكن والده رفض الفكرة بعد عدم علاج شقيقه في صفوف قطاع الناشئين ليرفض بشدة انضمام نجله إلى النادي.

 وهنا قرر المدرب إيهاب غنيم الذهاب إلى منزل العائلة شخصيًا في السنبلاوين، وتمكن من إقناع والده والحصول على توقيع إمام عاشور، وكان وقتها في التاسعة من عمره.

بعد انضمامه إلى غزل المحلة، تنبأ مدربي قطاع الناشئين بمستقبل كبير لإمام عاشور في النادي.

كاد إمام عاشور أن تنتهي مسيرته بل يفقد حياته كلها رفقة والدته، بعد تعرضه لحادث سير حين كان في الثانية عشر من عمره، وبشجاعة تحسد عليها أنقذته باحتضانه لتتعرض لكدمات قوية من أجل حماية نجلها.

“سيلفي الـ220 جنيه”

وقال أشرف عبد الناصر أحد أصدقاء إمام عاشور المقربين لـ تليجراف مصر: “أعرف إمام منذ 13 عامًا، وهذه الصورة التي تجمعنا التقطناها منذ 10 سنوات، أنا من المحلة وهو من السنبلاوين، وكان يسافر يوميًا للنادي دون كلل أو ملل.”

وأضاف: “إمام لم يشتكِ يومًا من الظروف المادية، بل كان سعيدًا للغاية عندما زاد عقده مع غزل المحلة من 200 إلى 220 جنيهًا. يومها، من فرحتنا، التقطنا صورة سيلفي مع المبلغ، ثم خرجنا وصرفناه أمام النادي، والآن إمام عاشور على وشك تجديد عقده مع الأهلي وقد يصبح الأغلى في القارة”

وتابع: “عانى إمام كثيرًا خلال وجوده في النادي، رغم أنه كان هداف الفريق، واشتهر بلقب (إمام الموهوبين)، إلا أنه لم يُصعَّد إلى الفريق الأول لأسباب لا يعلمها إلا الله، ولأن بعض المدربين لم يكونوا يفضلونه”.

وأشار إلى أن “إمام كان يحب النادي بشكل كبير، وظل فيه 12 عامًا، ولا يزال يتابع أخبار غزل المحلة حتى اليوم، ومؤخرًا، استضاف بعض نجوم الفريق، ولا تزال علاقته قوية جدًا بعبده يحيى وخالد الإخميمي، الذي كان يُطلق عليه لقب (رونالدو المحلة)”.

وأكمل “غزل المحلة بالنسبة لإمام هو البيت الكبير، وأنا فخور أنني عايشت كل لحظة معه من المعاناة والتعب وحتى الوصول”.

وأتم “إمام يعشق الدوري الإنجليزي، ويحلم بأن يحترف في أقوى دوري في العالم”.

الأم تبكي على نجلها

واجه إمام عاشور موقفًا صعبًا خلال تواجده في صفوف ناشئي غزل المحلة، حين أخبر أحد المدربين والدته بشكل صريح بعدم رغبته في استمراره داخل النادي، قائلاً لها: “إمام ميجيش تاني، خلاص مش عاوزينه.”

 ورغم صدمة الموقف، تعاملت الأسرة بهدوء، معتبرة أنه من الممكن البحث عن فرصة أخرى في نادٍ مختلف.

وبعدما تعاملت المدرب مع الأم بهدوء تام، شعرت بالحزن الشديد على ابنها لتبكي، لكن إمام أخبرها أنه سيبحث عن نادي آخر، وأن الرحيل ليس نهاية الطريق بالنسبة له.

لكن الأقدار سرعان ما تغيرت، حيث رحل هذا المدرب عن النادي، وجاء بديل له كان على قناعة تامة بموهبة عاشور، ليفتح أمامه الباب من جديد. 

وفي نفس الموسم، تم تصعيد اللاعب إلى الفريق الأول، لتبدأ مرحلة جديدة في مسيرته بعد قرار من المدرب طارق محجوب، الذي يعد صاحب قرار تصعيد إمام عاشور إلى الفريق الأول خلال موسم 2016-2017، حين كان اللاعب لا يزال في السابعة عشرة من عمره. 

وشارك عاشور في مباريات دوري القسم الثاني، وكانت بدايته أمام فريق منية سمنود، حيث أضاع عدة فرص محققة، إلا أنه سرعان ما استعاد ثقته وتألق بشكل لافت، مؤكدًا أحقيته بالمشاركة.

وأوضح إيهاب غنيم أن تألق إمام مع الفريق الأول لفت أنظار نادي حرس الحدود، الذي تقدم بعرض رسمي للحصول على خدماته، ليتمت إعارته إلى صفوف الفريق العسكري. 

الحلم الإنجليزي

شق إمام عاشور طريقه نحو القمة، بداية من تجربة إعارة ناجحة مع حرس الحدود موسم 2018–2019، إذ لفت الأنظار بأهداف مؤثرة أمام سموحة ووادي دجلة، ليؤكد أنه أحد أفضل اللاعبين الصاعدين في الدوري المصري..

وبعد المستويات القوية التي قدمها اللاعب، دخل الزمالك على خط المفاوضات ونجح في ضمه مقابل 20 مليون جنيه، حصل غزل المحلة على 12 مليونًا منها، بينما نال نادي حرس الحدود 8 ملايين جنيه.

وفي صيف 2019، انتقل إلى الزمالك، ليعاني في البدايات مع النادي، وكاد أن يرحل عن النادي، وكانت نقطة التحول حين غادر التونسي فرجاني ساسي إلى الدوري القطري، ليشارك إمام في مركز الوسط المساند تحت قيادة كارتيون ويتألق اللاعب ليصبح أفضل اللاعبين في مصر. 

تألق إمام في الدوري المصري وسجل أهدافا رائعا في شباك طنطا وطلائع الجيش والمصري، كما سجل هدف صاروخي في مرمى الأهلي بنهائي كأس مصر 2021، ليخوض بعدها تجربة الاحتراف الخارجي.

في بداية عام 2023، رحل عاشور إلى الدوري الدنماركي عبر بوابة ميدتييلاند، وسجل هدفين خلال 6 أشهر أحدهما في الدوري الأوروبي، قبل أن يعود إلى مصر من بوابة الأهلي في صفقة مثيرة للجدل.

بقميص الأهلي، انفجرت موهبة عاشور بشكل أكبر، وساهم بشكل مباشر في تتويج الفريق بثلاثية تاريخية: دوري أبطال إفريقيا، كأس مصر، والدوري المصري، وخلال 86 مباراة مع الأهلي، سجل 30 هدفا وقدم 19 تمريرة حاسمة.

دوليًا، شارك مع منتخب مصر تحت 23 عامًا وتوج ببطولة أمم إفريقيا، كما مثل الفراعنة في أولمبياد طوكيو 2020، وقدم أداء رائع مع الفراعنة في بطولة كأس الأمم الأفريقية عام 2021، وخاض عاشور 18 مباراة مع المنتخب وقدم تمريرتين حاسمتين.

ويبقى إمام عاشور واحدًا من أبرز نجوم الجيل الحالي في الكرة المصرية، وما زال الطريق أمامه مفتوحًا لتحقيق طموحه الأكبر، الوصول إلى ملاعب الدوري الإنجليزي الممتاز ولما لا.