شهدت منطقة الشرق الأوسط تغيرات جوهرية في موازين القوى في السنوات الأخيرة، انعكست بشكل واضح على علاقات إسرائيل وتركيا.
ووفق مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية فإن تراجع قدرة إيران على فرض أجندتها الإقليمية، نتيجة الضغوط الدولية والعقوبات والانقسامات التي أصابت ما يعرف بـ”محور المقاومة”، أفسح المجال أمام بروز إسرائيل وتركيا كقوتين صاعدتين، لتصبحا الأكثر ديناميكية وتأثيراً في المشهد الإقليمي، الأمر الذي جعل التنافس بينهما “أمراً حتمياً وليس مجرد احتمال”.
جذور التحول: من الأطراف إلى الهيمنة
من الناحية التاريخية، اعتمدت إسرائيل طويلاً على ما يُعرف بـ”عقيدة الأطراف”، حيث بنت تحالفات مع دول غير عربية تقع على أطراف العالم العربي، مثل إيران وتركيا سابقاً، بهدف تحقيق التوازن مع القوى العربية المحيطة بها، وفق المجلة.
إلا أن هذه الاستراتيجية شهدت تحولاً كبيراً بعد عام 1991، مع تراجع التهديد العربي التقليدي، حيث أعادت إسرائيل توجيه أولوياتها نحو مواجهة إيران، وسعت إلى عزلها دولياً ومنع أي تقارب بينها وبين الولايات المتحدة.
وبحسب ناشيونال إنترست، حققت إسرائيل نجاحات ملموسة في هذا السياق، إذ تمكنت من إضعاف محور المقاومة بقيادة إيران، واقتربت من فرض هيمنة جوية مستدامة فوقها، ما جعلها في موقع المبادرة بينما أصبحت إيران في موقف دفاعي.
تحول بؤرة الاهتمام
رغم استمرار المنافسة مع إيران دون حسم نهائي، تتجه أنظار إسرائيل إلى تركيا لثلاثة أسباب جوهرية:
أولاً، يشهد ما يسمى “محور المقاومة” بقيادة إيران حالة من التفتت الاستراتيجي، فيما تقترب إسرائيل من فرض هيمنة جوية شبه كاملة على المجال الجوي الإيراني، مما دفع طهران إلى الدفاع عن عمقها الإقليمي بدلاً من الهجوم.
ثانيًا، برزت تركيا كقوة إقليمية صاعدة لا يمكن تجاهلها، حيث عززت تدخلاتها العسكرية في سوريا وليبيا نفوذها الميداني، مدعومة بقاعدة اقتصادية وعسكرية متنامية.
ثالثًا، تظل العقيدة الأمنية الإسرائيلية ثابتة: فهي لا تبحث عن توازن القوى، بل تسعى لهيمنة عسكرية مطلقة على أي كيان قادر على تهديد أمنها – حتى إن لم يبد أي نوايا عدائية فورية.
التحدي التركي
ووفق ناشيونال إنترست، يتميز التهديد المحتمل من تركيا بخصائص فريدة تجعل المواجهة معها أكثر تعقيدًا:
الاندماج الدولي، حيث تختلف أنقرة كليا عن طهران بكونها عضوًا في حلف شمال الأطلسي “الناتو” ومجموعة العشرين، ما يجعل عزلتها الدبلوماسية مهمة شبه مستحيلة.
المناعة الاقتصادية، حيث يمتلك الاقتصاد التركي – رغم أزماته – تنوعًا وحجمًا يصعب خنقهما عبر العقوبات المنفردة، خلافًا للحالة الإيرانية.
النفوذ الناعم، والمتمثل في تتفوق تركيا كقوة سنية في امتلاكها أدوات تأثير ثقافي وديني ممتدة من البلقان إلى الشرق الأوسط، تفوق بكثير النفوذ الإيراني الشيعي المحدود بأطر طائفية.
برغم ذلك، تبقى أنقرة عرضة لضغوط داخلية، أبرزها الصراع المستمر مع الحركات الانفصالية الكردية، الذي قد يشكل نقطة ضعف استراتيجية في مواجهة التحركات الإسرائيلية.
وخلصت المجلة إلى أن استمرار قناعة إسرائيل بأن أمنها يتحقق فقط من خلال الهيمنة، فإن صعود تركيا يجعلها محور اهتمام استراتيجي في تل أبيب بالمرحلة المقبلة، سواء اختارت أنقرة المواجهة أو فضلت إدارة سلمية للتوترات.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز