بين رهانات التصعيد واحتمالات التراجع، عاد المسار الدبلوماسي في التصعيد الإسرائيلي الإيراني إلى الواجهة مدفوعا بقرار مفاجئ من ترامب
فالقرار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم أمس، والقاضي بمنح مهلة تفاوض لمدة أسبوعين قبل اتخاذ قرار ضرب إيران، يُطلق شرارة جهود عاجلة لاستئناف المحادثات التي وصلت إلى طريق مسدود عندما بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية، الأسبوع الماضي.
وترى الإدارة الأمريكية في هذه المهلة فرصة لإقناع طهران بالتراجع عن مواقفها المتشددة، وعلى رأسها ملف تخصيب اليورانيوم، الذي لا تزال تعتبره «خطا أحمر». وفقا لمسؤولين أمريكيين تحدثوا لشبكة “سي إن إن”.
ويأمل ترامب أن تقود الضغوط العسكرية المتزايدة والخسائر، إلى إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات بشروط كانت قد رفضتها سابقا.
وتقول الشبكة الأمريكية في تحليل طالعته “العين الإخبارية” إن قرار التأجيل، الذي جاء بعد أيام من رسائل الرئيس التي تزايدت حدتها العسكرية، والتي تشير إلى أنه يجهز لإصدار أمر بشن ضربة، يمنح ترامب أيضا مزيدا من الوقت لتقييم العواقب المحتملة – بما في ذلك احتمال جر الولايات المتحدة إلى نوع الصراع الخارجي الذي وعد بتجنبه.
حراك أوروبي على خط الأزمة
في واشنطن، طرحت الإدارة إرسال مبعوثين إلى المنطقة، من بينهم نائب الرئيس جيه دي فانس، ومبعوث الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، غير أن القلق من فشل الجهود الدبلوماسية حال دون تنفيذ الخطة، ما أبقى الدبلوماسيين رهن الانتظار.
في المقابل، تحرك الأوروبيون بسرعة، حيث من المقرر أن يسافر اليوم الجمعة، وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا إلى جنيف، لمقابلة ممثلين إيرانيين، مع وعي واضح بأن فرص النجاح محدودة.
ووفق “سي إن إن”، تم إطلاع الوزراء الثلاثة على تفاصيل الصفقة الأخيرة التي عرضها ويتكوف على إيران، والتي “رفضتها” طهران في النهاية قبل بدء الضربات الإسرائيلية.
وقال مسؤول أمريكي إنه لم تكن هناك توقعات كبيرة بين المسؤولين الأمريكيين بنجاح اجتماع يوم الجمعة في جنيف. لكن مسؤولا في البيت الأبيض أبقى الباب مفتوحا أمام التقدم.
موقف إيران
وأفاد مصدران مطلعان على الرسائل أن رسالة إيران الثابتة للولايات المتحدة منذ بدء تل أبيب ضرباتها قبل أسبوع هي أنها لن تُجري أي محادثات أخرى مع الولايات المتحدة حتى انتهاء العملية الإسرائيلية الجارية.
وأضافت المصادر أن الولايات المتحدة لم تضغط حتى الآن على إسرائيل لوقف ضرباتها.
وصرح ترامب هذا الأسبوع بأن رسالته لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هي “الاستمرار”.
وحتى الآن، لم تُبد طهران أي إشارة على استعدادها للتراجع عن مواقفها بشأن التخصيب، الذي تعتبره خطا أحمر. كما لم تُعقد أي محادثات رسمية بين الولايات المتحدة وإيران، بحسب مسؤولين أمريكيين.
دلالات القرار
وبإرجاء اتخاذ القرار، يبدو أن ترامب يُعزز ثقته في حل دبلوماسي كان قد أشار إليه قبل يوم واحد فقط بأنه بعيد المنال. وفق المصدر نفسه.
وقالت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية، يوم الخميس، بعد نقلها الجدول الزمني الجديد لترامب والممتد لأسبوعين: “أعتقد أن الرئيس أوضح أنه يسعى دائما إلى انتهاج الدبلوماسية. لكن صدقوني، إنه لا يخشى استخدام القوة عند الضرورة”.
وأضافت: “يجب أن تعلم إيران والعالم أجمع أن الجيش الأمريكي هو أقوى وأشد قوة قتالية فتكا في العالم، ولدينا قدرات لا تمتلكها أي دولة أخرى على هذا الكوكب”.
غرفة العمليات
ونقلت “شي إن إن” عن مصادر مطلعة على المحادثات، أن ترامب عقد سلسلة من اجتماعات غرفة العمليات على مدار هذا الأسبوع،مع مستشاريه حول احتمالية أن تتمكن القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات من تدمير منشأة فوردو النووية الإيرانية تحت الأرض بالكامل، ومدة هذه العملية.
ومرارا، أصرّ ترامب على رغبته في تجنب اتخاذ إجراء قد يتطور إلى صراع متعدد السنوات، وهو أمر يرى العديد من أنصاره الموالين – بمن فيهم كبير استراتيجييه السابق ستيف بانون، الذي تناول الغداء مع الرئيس يوم الخميس – أنه أمر لا مفر منه إذا اتخذ قرارا بالمضي قدما.
ورغم اطلاع الرئيس على الخيارات العسكرية، إلا أنه لا يزال قلقا بشأن حرب طويلة الأمد. وفي هذا الصدد، قال أحد المسؤولين إن أي تقييمات حول ما إذا كانت الضربة ستؤدي إلى انخراط أمريكي مطول هي تقييمات تنبؤية، وبحكم طبيعتها، ليست مُرضية تماما.
ولم يلق الإطار الزمني الجديد للمحادثات، الذي حدد في غضون أسبوعين، ترحيبا واسعا. وأعرب مسؤول استخباراتي إسرائيلي عن استيائه من عدم اتخاذ ترامب قرارا – بأي شكل من الأشكال.
الدائرة المقربة من ترامب
وقد اعتمد ترامب بشكل رئيسي على مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، جون راتكليف، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كين، في اجتماعاته لمناقشة خياراته، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
لكن في قلب الجهود الدبلوماسية، سيكون ويتكوف، صديق الرئيس ومبعوثه الخارجي الذي قاد المفاوضات الرامية إلى كبح طموحات طهران النووية.
وبدأ ويتكوف تبادل الرسائل المباشرة مع وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في وقت سابق من هذا الشهر، وحافظت الإدارة على بعض الاتصالات مع المسؤولين الإيرانيين خلال الأيام المتوترة الماضية بينما كان ترامب يدرس توجيه ضربة عسكرية.
خطة ويتكوف
كانت الخطة التي عرضها ويتكوف آخر مرة على طهران تتطلب من إيران في نهاية المطاف وقف جميع عمليات تخصيب اليورانيوم على أراضيها.
ويوم أمس، قال البيت الأبيض إنه لا يزال يرى أن حظر تخصيب اليورانيوم الإيراني ضروري للتوصل إلى اتفاق نهائي.
ومع توجه الأوروبيين إلى اجتماع يوم الجمعة، سيقيّمون مدى تقبل الإيرانيين لإيجاد حل دبلوماسي، نظرا لاعتقادهم بأن الضربات في كلا الاتجاهين ليست حلا. وفق مسؤول أوروبي.
ويعتقد القادة الأوروبيون أن مخاطر البرنامج النووي الإيراني لا تزال قائمة حتى في ظل الضربات الإسرائيلية، لأن طهران تحتفظ بخبرة نووية، وربما لا تزال لديها جهود نووية سرية لن تُدمرها الضربات العسكرية.
لا توجيهات واضحة
في غضون ذلك، قال مسؤول أمريكي ودبلوماسي أوروبي إن معظم الدبلوماسيين الأمريكيين غير المقربين من ترامب في وزارة الخارجية لم يتلقوا توجيهات محددة لتقديمها لحلفاء الولايات المتحدة بشأن الجهود الدبلوماسية.
وقد أدى ذلك إلى العديد من المناقشات المحبطة مع المحاورين الأجانب، حيث لا يملك الدبلوماسيون الأمريكيون سوى إجابات قليلة لتقديمها للحلفاء في محاولتهم تحديد موقفهم الدبلوماسي والعسكري في المنطقة، مكتفين بالإشارة إلى كلمات ترامب نفسه.
والإثنين الماضي، تحدث وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو، مع نظرائه الفرنسيين والبريطانيين ومن الاتحاد الأوروبي حول الجهود الرامية إلى “تشجيع مسار دبلوماسي يضمن عدم تطوير إيران لسلاح نووي أبدًا”، وفقا لبيانات وزارة الخارجية حول المكالمات.
ويوم الأربعاء، أجرى روبيو “مقارنة” للآراء حول هذه المسألة مع وزير الخارجية النرويجي. والتقى روبيو بوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي يوم الخميس، قبل مغادرته لحضور محادثات جنيف، واتفقا، وفقا لوزارة الخارجية، على أن إيران لن تتمكن أبدًا من تطوير أو امتلاك سلاح نووي.
وقال لامي في بيان يوم الخميس: “خلال اجتماعنا مع وزير الخارجية روبيو والمبعوث الخاص للشرق الأوسط ويتكوف في البيت الأبيض اليوم، ناقشنا كيفية إبرام إيران لاتفاق لتجنب تفاقم الصراع. هناك الآن فرصة سانحة خلال الأسبوعين المقبلين للتوصل إلى حل دبلوماسي”.
كما تواصل المسؤولون الأمريكيون، بمن فيهم ويتكوف، بنشاط مع مسؤولين في المنطقة، وقد عرض العديد منهم مساعدتهم في التوسط لإيجاد مسار دبلوماسي للمضي قدما.
وذكرت مصادر متعددة أن إيران ردت على رسائل من أطراف ثالثة، لكن ردودها لم تتغير.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز