في ظل تزايد التحديات العالمية وتحول موازين التجارة الدولية، تسعى إسبانيا إلى ترسيخ موطئ قدم اقتصادي واستراتيجي في أفريقيا عبر قمة ثالثة تحتضنها مدريد هذه الأيام.
فبعد مؤتمر تمويل التنمية في إشبيلية، انتقل الاهتمام نحو العاصمة، حيث ينعقد “القمة الأفريقية – الإسبانية” لتعزيز الشراكة والتبادل التجاري، وسط حضور نوعي من ممثلي دول أفريقية وشخصيات اقتصادية رفيعة المستوى.
قمة بنَفَس استراتيجي طويل الأمد
افتُتحت مساء اليوم الأحد أعمال القمة الثالثة بين أفريقيا وإسبانيا في العاصمة مدريد، بحضور الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة الأفريقية، وممثلين حكوميين من كوت ديفوار وتوغو والصومال.
ومن المقرر أن تستمر القمة حتى الثلاثاء، حيث يتمحور النقاش حول تطوير العلاقات التجارية بين الجانبين، في وقت تسعى فيه مدريد لتعزيز موقعها في السوق الأفريقية التي تشهد نموًا متسارعًا، بحسب إذاعة “إر. إف. إي” الفرنسية.
أهداف اقتصادية واضحة في مجالات حيوية
وتضمنت أول أيام القمة خمس طاولات مستديرة، شارك فيها نحو 70 متحدثًا من أفريقيا وإسبانيا، بهدف بناء علاقات اقتصادية مستدامة بين الطرفين. وتراهن إسبانيا على تعزيز وجود شركاتها في مجالات حيوية مثل البناء، الطاقات المتجددة، تحلية المياه، وصناعة الأدوية.
ورغم أن الحضور السياسي والاقتصادي الإسباني في أفريقيا لا يزال محدودًا نسبيًا، إلا أن هذه القمة تهدف إلى مضاعفة فرص الشركات الإيبيرية في القارة، وتعزيز تموضع مدريد كفاعل استثماري موثوق.
أرقام مشجعة ولكن الطموح أكبر
وتشير البيانات إلى أن أفريقيا تمثل حاليًا 6% من صادرات إسبانيا و7% من وارداتها، وهي أرقام تُظهر بداية تحسن، لكنها لا تزال دون طموحات مدريد.
وتراهن الحكومة الإسبانية على القرب الجغرافي من أفريقيا كعنصر قوة لتكثيف التعاون، خاصة في قطاعات البنية التحتية، الطاقة المتجددة، والصيد البحري.
شراكات قائمة تتوسع.. والمغرب في المقدمة
يُعتبر المغرب الشريك الاقتصادي الأول لإسبانيا في أفريقيا، يليه كل من الجزائر، نيجيريا، ليبيا، وجنوب أفريقيا. وتُظهر الإحصاءات أن حجم التبادل التجاري بين إسبانيا وأفريقيا بلغ نحو 30 مليار يورو في النصف الأول من عام 2024، متجاوزًا بذلك حجم التجارة بين إسبانيا وأمريكا اللاتينية.
وتزامنًا مع العقوبات الأوروبية على روسيا، زادت واردات مدريد من المحروقات الأفريقية، ما جعل نيجيريا المورّد الأول للنفط لإسبانيا، والثاني للغاز بعد الجزائر.
حضور قوي للصيد البحري واستثمارات واعدة
الأسطول البحري الإسباني، الأكبر في أوروبا، ينتشر على طول الساحل الأفريقي من المغرب إلى أنغولا، ومن ناميبيا إلى جنوب أفريقيا، ما يعكس الأهمية الجغرافية والاستراتيجية لهذه المنطقة.
أما الاستثمارات الإسبانية في القارة، فتُقدّر بـ6 مليارات دولار، وهو رقم قابل للارتفاع في ظل خطط الحكومة لتوسيع النفوذ الاقتصادي.
نحو شراكة تنموية لمواجهة الهجرة
لا تقتصر أهداف إسبانيا على الاقتصاد فقط، بل تشمل أيضًا التعاون في مواجهة الهجرة غير النظامية. وفي هذا السياق، تعمل مدريد على تطوير شبكة جديدة لغرف التجارة في أفريقيا، وتشجع على إطلاق مشاريع للتدريب المهني تستهدف الشباب الأفريقي، في محاولة لمعالجة جذور الظاهرة. وتُعد هذه المسألة من أبرز المواضيع المطروحة في جلسات القمة.
والقمة الثالثة بين أفريقيا وإسبانيا تعكس رغبة مدريد في كسر الصورة التقليدية لعلاقاتها مع القارة السمراء، عبر مقاربة جديدة تمزج بين الاستثمار، الشراكة، والتنمية. وبينما تسعى إسبانيا إلى موطئ قدم أكثر رسوخًا في أفريقيا، تبدو التحديات قائمة، لكن الفرص الهائلة التي توفرها القارة تجعل الرهان الإسباني يستحق المتابعة عن كثب.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز