في تطور يُثير جدلًا واسعًا حول العلاقة بين وادي السيليكون والسياسة الخارجية الأمريكية، برز إيلون ماسك، قطب التكنولوجيا والرئيس التنفيذي لشركة “سبيس إكس”، كلاعب محوري في جهود الولايات المتحدة لتغيير أنظمة الحكم في عدة دول حول العالم، بدءًا من إيران مرورًا بأوكرانيا ودول أخرى.
وأشار تقرير لموقع “مينت برس” الأمريكي إلى أن ماسك شارك في تهريب معدات اتصالات إلى إيران من خلال نظام الإنترنت الفضائي “ستارلينك”، في خطوة وُصفت بأنها دعم مباشر لشبكات المعارضة داخل البلاد، وتعاون واضح مع أجهزة الأمن القومي الأمريكية في حملة منسقة لتقويض الحكومة الإيرانية.
استهداف إيران
في أعقاب فرض السلطات الإيرانية قيودًا صارمة على الإنترنت أثناء حرب الـ12 يومًا مع إسرائيل، أعاقت الخطوة قدرة القوات الأمريكية والإسرائيلية داخل البلاد على التواصل.
حينها أعلن ماسك استعداده لتوفير خدمة ستارلينك داخل إيران، مشيرًا إلى أن “الأشعة جاهزة” في رد على دعوات مسؤولين أمريكيين لتسهيل الاتصالات للمعارضة الإيرانية.
ويعمل نظام ستارلينك عبر محطات طرفية صغيرة تتصل مباشرة بالأقمار الصناعية، مما يسمح بتجاوز القيود الحكومية.
ووفق تصريحات سابقة لماسك، فقد تم تهريب المئات من هذه المحطات إلى إيران، فيما تشير تقديرات إلى أن عددها قد وصل إلى نحو 20 ألف جهاز نشط بحلول عام 2025، مما يساعد شبكة واسعة من النشطاء والجواسيس وغيرهم من القوى المناهضة للحكومة على التنسيق والتواصل.
إبقاء أوكرانيا في حالة قتال
دور ستارلينك لا يقتصر على إيران، فقد أصبح عمود الاتصالات الفقري في أوكرانيا بعد تدمير البنية التحتية للاتصالات إثر الهجوم الروسي، وبحسب تقارير ميدانية، يُستخدم النظام لدعم القوات الأوكرانية في استهداف المواقع الروسية، ويُقدّر عدد المحطات الطرفية هناك بأكثر من 42 ألف جهاز.
وأفاد جندي أوكراني في تصريحات صحفية بأن “ستارلينك هو ما غير مجرى الحرب”، مضيفًا: “أن الخدمة بقيت فعالة رغم القصف الكثيف، بل حتى في المدن المحاصرة مثل ماريوبول”، بحسب “مينت برس”.
رجل البنتاجون
يرتبط ماسك، بحسب الوثائق والتحقيقات، بعلاقات وثيقة مع مؤسسات الأمن القومي الأمريكية، خاصة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب الاستطلاع الوطني.
وتُظهر العقود الموقّعة بين “سبيس إكس” وهذه الوكالات أن التعاون يتجاوز مجرد إطلاق أقمار صناعية، ليشمل مشاريع دفاعية وتجسسية معقدة.
في عام 2021، حصلت “سبيس إكس” على عقد بقيمة 1.8 مليار دولار لبناء شبكة أقمار تجسس لصالح مكتب الاستطلاع الوطني. كما تعاونت الشركة مع لوكهيد مارتن لإطلاق أنظمة تجسس بقيمة نصف مليار دولار.
ويُعد المسؤول السابق في الـ CIA والمؤسس لشركة In-Q-Tel (الذراع الاستثماري لوكالة المخابرات)، مايك جريفين، من أوائل داعمي ماسك، إذ كان رفيقه في رحلة عام 2002 إلى موسكو لشراء صواريخ باليستية روسية لتأسيس “سبيس إكس”.
رجل الصواريخ
في عام 2022، أطلق ماسك شركة “كاستيليون” التابعة لـ”سبيس إكس” لدعم مشروع دفاعي أمريكي يُعرف إعلاميًا بـ”القبة الفضائية”، ويهدف هذا المشروع إلى إسقاط الصواريخ النووية المهاجمة بواسطة شبكة من أقمار صناعية معدلة، وهو ما يراه محللون تهديدًا لميزان الردع العالمي.
ينظر البعض إلى هذه التقنية على أنها وسيلة قد تتيح للولايات المتحدة شنّ ضربات نووية دون الخشية من ردود انتقامية، مما يهدد مبدأ “الدمار المتبادل المؤكد” الذي حفظ الاستقرار العالمي منذ الحرب الباردة.
امتد تأثير ماسك السياسي إلى أمريكا الجنوبية، إذ اتُهم بالمشاركة في دعم الانقلاب على الرئيس البوليفي إيفو موراليس عام 2019، في إطار ما وصف بـ”انقلاب الليثيوم”، نظرًا لثروات البلاد من هذا المعدن الأساسي في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.
وفي تصريح مثير للجدل، قال ماسك صراحة: “سننقلب على من نريد!” ردًا على الانتقادات حول دوره في الإطاحة بموراليس، ما فُهم على أنه تأكيد على تورّطه المباشر في تغيير الأنظمة بدعم أمريكي.
كما واجه ماسك اتهامات بمحاولة التأثير في الانتخابات الفنزويلية، والترويج لمزاعم تزوير بحق الرئيس نيكولاس مادورو، بل ذهب إلى حد تهديده عبر منصته “إكس” (تويتر سابقًا).
ويتهم منتقدو ماسك بالتدخل في السياسة الداخلية لدول أخرى، من ألمانيا وكندا إلى المملكة المتحدة.
في ألمانيا، دعم حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، وفي كندا، سخر من رئيس الوزراء جاستن ترودو ووصف كندا بأنها “الولاية الأمريكية الحادية والخمسون”.
وبينما يرى البعض في إيلون ماسك رائدًا في عالم التكنولوجيا، يراه آخرون أداة سياسية بيد واشنطن تستخدم لتقويض الحكومات وفرض النفوذ العالمي عبر أدوات تكنولوجية حديثة.