على مدار سنوات لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة إلينا سوى دولة عظمى، وقارة نختلف حول سياستها كثيرًا ونتفق معها أحيانًا، نكرهها في أوقات ونتقبلها في أوقات أخرى. لكن فيما يخص كرة القدم بالتحديد لم تكن دولة ذات صيت كبير، فلا هي تضم أندية عالمية أو على أرضها تقام بطولة كروية كبيرة باستثناء كأس العالم 1994، وهو الحدث الأبرز، لكن نصفنا على الأقل كان طفلًا حين أقيمت البطولة، فلم نعرف عنها شئ سوى مقتطفات نراها عبر موقع “يوتيوب”.
لذلك كان كأس العالم للأندية فرصة جيدة للاحتكاك بالأمر عن قرب، خاصة أن أمريكا هي المستضيف الأكبر لمونديال 2026 بالمشاركة مع كندا والمكسيك، وستقام البطولة في نفس التوقيت تقريبًا، وعلى نفس ملاعب بطولة مونديال الأندية، وبلغة أهل السينما والمسرح فما نراه الآن “بروفة كاملة” لكأس العالم 2026، ولذلك أيضًا كانت بعض الوقائع التي شهدها كأس العالم للأندية صادمة بالنسبة لدولة تعد هي الأكبر في العالم من مختلف النواحي.
نعم، لم يتوقع كثيرون أن البطولة التي تكلفت مليار دولار، ستشهد كل هذا الكم من توقف المباريات نتيجة الظروف المناخية، بالإضافة إلى أن بعض الملاعب ليست على المستوى المطلوب، كما أن مواعيد تنظيم المباريات نفسها تتنافى مع الاجواء المطلوبة، ما جعل لاعبين كثر يظهرون بأقل من مستواهم، وآخرين اشتكوا من الطقس والرطوبة، ناهيك أن هناك قوانين فيدرالية بخصوص العواصف البرقية وما إلى ذلك، وهي قوانين يخضع لها الجميع بلا استثناء وهذا أمر محمود، لكن في النهاية فقدنا الكثير من المتعة أثناء مشاهدة المباريات بسبب التوقف وفقدان الحماس نتيجة العطلة، غير أن مواعيد أمريكا تتعارض مع مواعيد بلاد كثيرة مثل مصر، فالإيقاف يعني في أحيان كثيرة استحالة تكملة المشاهدة.
ما يحدث لم يمر مرور الكرام، بل اهتمت به كافة الصحف والوكالات الرياضية الكبرى، التي طرحت سؤالا واحدا، هل ما يحدث الآن سنراه في مونديال 2026؟ وهل نحن على موعد مع ملاعب غير مهيئة وطقس غير مناسب وتوقفات بلا حدود للمباريات؟، وصحيح أن جزءا من حل المشكلة أن بعض الملاعب السيئة لن تستضيف مباريات للمونديال، لكن يبقى الجزء الأكبر أن كثيرًا من الملاعب الحالية ستقام عليها البطولة.
هذا السؤال دفع الأمين العام للاتحاد الدولي للاعبين المحترفين أليكس فيليبس إلى التصريح بأن “فيفا” يجب أن تكون أكثر مرونة بشأن مواعيد انطلاق مباريات بطولة كأس العالم 2026، بعد أن ظهرت تأثيرات الحرارة الشديدة على مونديال الأندية، كما أوضح أيضًا أن الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين قدم عدة توصيات، أبرزها تجنب إقامة مباريات في فترة بعد الظهيرة في أكثر الأماكن حرارة مثل ميامي ودالاس خلال مونديال 2026، كما طالب بمرونة أكثر في موعد البطولة نفسه مؤكدًا أنه يُدرك جيدًا أنه لا سلطة على “فيفا” في النهاية.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ولتخفيف أثر الطقس على اللاعبين اقترح الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين أيضًا تمديد فترة الاستراحة بين الشوطين لتصبح 20 دقيقة مع تقديم فترات راحة أكثر لتبريد أجساد اللاعبين وحمايتهم من الشمس، خاصة أن هناك 9 مدن من أصل 16 مدينة في أمريكا تعد خطرًا شديدًا في فترات بعينها بسبب درجة حرارتها التي تؤدي للإصابة بأمراض مرتبطة بذلك، وأبرز تلك المدن أتلانتا وبوسطن ودالات وهيوستن وكانساس وميامي، وتلك المدن تتخطى حرارتها 32 درجة ما يتعارض مع إرشادات “فيفا” نفسها.
بالطبع تلك الملاحظات والتوصيات ليست أكثر من توصيات أولية سيعقبها تفكير وتصور أوضح مع انتهاء البطولة وتقييم مكاسبها وكيفية تعظيمها، إذ حضر حتى الدور الـ16 ما يقرب من 2 مليون مشجع بحسب الإحصاءات الرسمية، وهو رقم مرشح للزيادة في الأدوار المقبلة، لكن يبقى الأهم من كل ذلك أن مونديال الأندية ليس فقط أهم بطولة للأندية في العام الجاري، لكنها أيضًا البروفة التي من خلالها يمكننا انتظار كأس عالم للمنتخبات بشكل أفضل من كل ما سبق.