قرر صندوق النقد الدولي دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج دعم مصر، في خطوة أثارت تساؤلات حول دوافع هذا القرار ومدى ارتباطه بتطورات الأداء الاقتصادي وتنفيذ الالتزامات الإصلاحية خلال الفترة الماضية.
قال الخبير المصرفي عز الدين حسانين إن قرار صندوق النقد الدولي بدمج المراجعتين الخامسة والسادسة يأتي في سياق ضغوط اقتصادية إقليمية وعالمية متزايدة، وارتفاع مستمر في فاتورة الواردات، وهو ما يستدعي الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي لمصر وتعزيز ثقة المستثمرين.
وأوضح حسانين لـ”تليجراف مصر” أن الصندوق يهدف من هذا الدمج إلى دعم برنامج الإصلاح المصري من خلال صرف دفعة تمويلية أكبر بعد مراجعة شاملة.
وأضاف أن مصر، رغم تعهدها باتباع سياسة مرنة لسعر الصرف منذ ديسمبر 2022 (تاريخ توقيع الاتفاق مع الصندوق)، إلا أن الواقع شهد تدخلات غير مباشرة من البنك المركزي لدعم الجنيه، سواء عبر ضخ الدولار في السوق أو التدخل عبر البنوك، وهو ما اعتبره الصندوق تناقضًا مع الالتزامات المتفق عليها، موضحًا أن الصندوق يبدو راغبًا في مزيد من خفض قيمة الجنيه أمام الدولار.
ولفت إلى أن الصندوق طالب مصر بتقليص دور الدولة في القطاعات الاقتصادية غير الاستراتيجية، وتوسيع فرص المنافسة أمام القطاع الخاص، مشيرًا إلى أن برنامج الطروحات الحكومية تأخر في التنفيذ، وتباطأت خطوات بيع حصص في شركات مملوكة للدولة، مما أثر على تحقيق بعض المستهدفات في التوقيتات المحددة.
دمج المراجعتين الخامسة والسادسة
أعلن صندوق النقد الدولي عزمه دمج المراجعتين الخامسة والسادسة من برنامج التمويل المخصص لمصر، على أن يتم استكمال المراجعة المزدوجة خلال فصل الخريف المقبل، وفق ما كشفته المتحدثة باسم الصندوق، جولي كوزاك، في تصريحات لـ”الشرق بلومبرج”.
وأوضحت كوزاك أن بعثة الصندوق التي زارت القاهرة في الفترة من 8 إلى 16 يونيو الماضي، رصدت تقدمًا ملحوظًا في جهود كبح التضخم وتحسين وضع الاحتياطي من النقد الأجنبي.
وشددت في الوقت ذاته على أهمية تعميق الإصلاحات الاقتصادية، لا سيما ما يتعلق بتقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي وتسريع برنامج الطروحات الحكومية.
وأكدت المتحدثة أن الصندوق ناقش خلال الزيارة الأخيرة التزام الحكومة المصرية بتعهداتها بشأن طرح حصص من شركات مملوكة للدولة، في إطار خطة أوسع لتمكين القطاع الخاص وتعزيز المنافسة في السوق.
هل يؤثر القرار على الاقتصاد المصري؟
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي هاني جنينة أن قرار دمج المراجعتين لن يؤثر سلبًا على الاقتصاد، بل قد يعزز موقف مصر التفاوضي في ظل تحسن الأوضاع المالية مؤخرًا.
وأوضح جنينة، خلال مداخلة هاتفية في برنامج “يحدث في مصر” مع الإعلامي شريف عامر على قناة “MBC مصر”، أن قرار الدمج يُعد تأجيلًا فنيًا وليس إلغاءً للمراجعات، ويعكس رغبة في تقييم شامل ومرن للبرنامج الإصلاحي، بما يراعي المستجدات الاقتصادية داخليًا وخارجيًا.
وأشار إلى أن مصر شهدت تدفقات مالية كبيرة مؤخرًا، مما ساهم في دعم استقرار سعر الصرف وتحسن المؤشرات النقدية، مضيفًا أن تراجع التوترات الإقليمية وانخفاض أسعار البترول خلال النصف الأول من عام 2025 وفرا مناخًا ملائمًا لإعادة ترتيب أولويات التمويل والتفاوض مع الجهات الدولية.
ولفت إلى أن الحكومة المصرية تمتلك أصولًا استراتيجية مهمة، على رأسها بنك القاهرة، الذي تُجرى بشأنه مفاوضات مع الجانب الإماراتي لتحديد القيمة العادلة قبل الطرح، ما يعكس توجّهًا نحو استغلال الأصول العامة بفعالية.
صرف الشريحة الرابعة لمصر
تأتي هذه التطورات بعد أن وافق مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق النقد في أبريل الماضي على صرف الشريحة الرابعة من القرض بقيمة 1.2 مليار دولار، عقب الانتهاء من المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي.
وفي مارس 2024، نجحت مصر في زيادة حجم برنامج التمويل مع الصندوق من 3 إلى 8 مليارات دولار، مما ساعدها على جذب استثمارات وتمويلات ساهمت في احتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2022.
وكان جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، قد صرح في وقت سابق بأن البرنامج مع مصر يركز على ثلاثة أهداف رئيسية: رفع معدلات النمو، وتوسيع دور القطاع الخاص، ومعالجة التضخم.
وفي تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر في أبريل الماضي، رفع صندوق النقد توقعاته لنمو الاقتصاد المصري بمقدار 0.2% لعامي 2025 و2026.
كما توقعت وزيرة التخطيط، الدكتورة رانيا المشاط، نمو الناتج المحلي بنسبة 4% خلال السنة المالية الحالية، على أن يرتفع إلى 4.5% في العام المالي المقبل.