حذر محللون من تفاقم التضخم أو اندلاع أزمة مالية في الولايات المتحدة مع تزايد الدين الوطني الأمريكي.
ذكر تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي أنه في 5 يونيو/حزيران، أصدر مكتب الميزانية في الكونغرس (CBO) تقريرًا يفيد بأن مشروع قانون الميزانية المقترح من دونالد ترامب – المسمى “قانون الفاتورة الجميلة الكبيرة” – قد يزيد الدين الوطني الأمريكي بـ2.4 تريليون دولار خلال العقد المقبل.
وقد أثار هذا التقرير قلقًا واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية، خاصة أنه يأتي في ظل تحذيرات من تفاقم التضخم أو اندلاع أزمة مالية نتيجة هذا الاقتراض الضخم.
ورغم أن المشروع اجتاز مجلس النواب، إلا أنه يواجه معارضة كبيرة في مجلس الشيوخ. وتكمن المعضلة في أن التخفيضات الضريبية التي يسعى الجمهوريون لتمديدها ستكلّف أكثر من 4 تريليونات دولار، فيما يقترح القانون تعويضها من خلال تقليص الإنفاق على برامج اجتماعية مثل “ميديكيد” والمساعدات الغذائية. وبين خياري رفع الضرائب أو تقليص المساعدات، يميل الجمهوريون بوضوح نحو الخيار الثاني – وهو موقف أصبح يمثل حجر الزاوية في سياساتهم منذ عقود.
لكن هذا لم يكن الحال دائمًا. ففي عام 1990، خالف الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب تعهده بعدم رفع الضرائب، ووافق على صفقة مع الديمقراطيين لخفض العجز تضمنت زيادات ضريبية. ورغم أن الخطوة لاقت ترحيبًا اقتصاديًا، إلا أن نتائجها السياسية كانت كارثية، حيث خسر بوش ثقة قاعدته المحافظة وتعرض لهجوم حاد من داخل حزبه، ما ساهم في خسارته الانتخابات عام 1992.
تحول كبير
هذا التحول في موقف الجمهوريين تجاه الضرائب بدأ منذ الثمانينيات في عهد الرئيس رونالد ريغان، الذي أطلق تخفيضات ضريبية كبرى شجعت على الاستثمار، وأرست أسس ما عُرف باقتصاد “العرض”. ومنذ ذلك الحين، تزايد تأثير المحافظين المتشددين مثل النائب نيوت غينغريتش، الذين أسسوا كتلًا ضغطت ضد أي زيادات ضريبية.
وأحد أبرز الرموز في ترسيخ هذا الموقف كان الناشط غروفر نوركويست، الذي أطلق تعهد “حماية دافعي الضرائب” عام 1986، مطالبًا السياسيين بعدم دعم أي زيادات ضريبية. وبمرور الوقت، أصبح هذا التعهد بمثابة شرط ضمني للترشح عن الحزب الجمهوري.
وبينما تعامل بوش الأب مع الواقع الاقتصادي المتدهور في أوائل التسعينيات، ورضخ لضغوط الاحتياطي الفيدرالي وخطر خفض الإنفاق التلقائي، فقد تعرّض لانتقادات واسعة من داخل حزبه.
ورغم تمرير نسخة معدلة من صفقة العجز، إلا أن الضرر السياسي كان قد حدث. وواصل المحافظون بقيادة غينغريتش الضغط، حتى تولوا الأغلبية في الكونغرس عام 1994، وأصبح غينغريتش رئيسًا لمجلس النواب.
وعندما تولى جورج بوش الابن الرئاسة عام 2001، حرص على تجنب “خطأ” والده، وجعل من تخفيض الضرائب أولوية قصوى، حتى في ظل الحروب. ومنذ ذلك الحين، أصبحت معارضة الضرائب جزءًا أساسيًا من الهوية الجمهورية.
واليوم، رغم تفاقم العجز الذي قد ينجم عن مشروع ترامب الجديد، لا تزال القيادة الجمهورية متمسكة بتخفيضات الضرائب، وتفضّل تقليص البرامج الاجتماعية بدلًا من أي زيادات ضريبية.
وبينما يرى البعض أن بوش الأب دفع ثمنًا سياسيًا، يرى آخرون أن استعداده للتسوية يجب أن يُحتذى، في وقت يتطلب فيه الاستقرار المالي شجاعة سياسية وتجاوز الحدود الأيديولوجية.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز