شهدت الجلسة العامة لمجلس النواب نقاشًا محتدمًا حول تعديلات قانون الإيجار القديم، وسط تباين حاد بين النواب ما بين مؤيد يرى فيه ضرورة لإصلاح تشريعي طال انتظاره، ومعارض يحذر من تهديد السلم الاجتماعي وزعزعة استقرار ملايين الأسر.
وجاء الجدل في جلسة وصفها البعض بـ”التاريخية”، نظرًا لما يمثله القانون من حساسية مجتمعية وتأثير مباشر على شرائح واسعة من المصريين، خاصة كبار السن وأصحاب الدخول المحدودة.
ذريعة لإنهاء العلاقة الإيجارية
أعلن النائب ضياء الدين داود رفضه القاطع لمشروع القانون، واصفًا إياه بأنه تهديد حقيقي للسلم والاستقرار الاجتماعي في البلاد، وقال: “لا شك أن هذه الجلسة تاريخية، وكل نائب منا يتحمل مسؤوليته أمام الله والشعب”، مؤكدًا أنه يتحدث من منطلق قانوني ووطني في آنٍ واحد.
وأضاف داود: “أخاطب وجدان الأغلبية التي أثق أن وجدانها الوطني سينحاز حتمًا للسلم والاستقرار الاجتماعي”، معتبرًا أن الحكومة “تلعب بالنار وتتجرأ على الشعب المصري”، متهمًا إياها بأنها تتخذ من الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد ذريعة لإنهاء العلاقة الإيجارية القائمة، وفرض العودة إلى أحكام القانون المدني، بما يتعارض مع البعد الإنساني والاجتماعي للقضية.
التدخل في العلاقة الإيجارية
وتابع داود مهاجمًا المنهج الحكومي: “قال الوزير محمود فوزي إننا حكومة دستورية في ظرف استثنائي، لكن الحكومة نفسها كانت قد ادعت انتهاء هذه الظروف، فكيف تُبرر اليوم تدخلها؟”، مشيرًا إلى أن التدخل في العلاقة الإيجارية ليس وليد مرحلة ما بعد 1952 كما يُروّج، بل بدأ منذ عام 1920 خلال الحرب العالمية الأولى، حين تدخل البرلمان لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وتكرر ذلك في عام 1941 إبان الحرب العالمية الثانية.
واستطرد: “هذه التدخلات لم تكن محكومة بانتماء سياسي معين، بل كانت تفرضها مقتضيات الضرورة الاجتماعية، سواء في ظل الليبرالية أو الاشتراكية”، قبل أن يوجه حديثه لزملائه النواب قائلًا: “نتحدث عن أهلنا، كبار السن، هل هناك أحد ليس له عم أو خال أو جار أو معلم؟ هل هذه هي مكافأة شعب مصر على ما قدمه في 30 يونيو؟”.
“العبث” في الفترة الانتقالية
وانتقد داود ما وصفه بـ”العبث” في الفترة الانتقالية التي منحها القانون قبل تحرير العلاقة الإيجارية قائلاً: “هل نجعل الناس تنتظر سبع سنوات حتى الموت؟”، مضيفًا أن “الطبقة الوسطى التي ساندت الوطن في أحلك الظروف أصبحت اليوم مهددة، فهل من المعقول أن نطلب من رجل في السبعين أن يبحث عن تمويل عقاري؟ أي بنك سيقرضه؟”، مشيرًا إلى أن من تجاوز سن الخمسين ترفض البنوك تمويله أصلًا.
ووجه النائب اتهامًا صريحًا للحكومة بأنها تُقدم “بيانات غير دقيقة”، وقال: “لن أقول كاذبة، لكن عندما يقول رئيس الوزراء مافيش طرد، ووزير شؤون المجالس النيابية يقول الطرد بعد سبع سنوات، من نصدق؟”، داعيًا إلى استدعاء رئيس الحكومة إلى البرلمان لمساءلته، مؤكدًا أن البرلمان مسؤول عن مواجهة “التدليس” حين تُعرض عليه بيانات خاطئة.
وتساءل داود مستنكرًا: “هل المشروع عُرض فعلًا على رئيس الجمهورية؟ المشروع يقول للمستأجر: ضع يدك على قلبك لمدة سبع سنوات! هذا تهديد مباشر للسلم الاجتماعي، وسنصدر أزمة مؤجلة لحكومة وبرلمان بعد سبع سنوات، لماذا؟”.
الجميع يعمل لصالح الوطن
وفي المقابل، عبّر النائب وحيد قرقر، وكيل لجنة النقل والمواصلات، عن دعمه لمشروع القانون، مؤكدًا أن الجميع يعمل لصالح الوطن، وأنه لا يجوز لأحد أن يزايد على وطنية زملائه النواب.
وقال: “جميعنا في المجلس لا نهدف إلا للمصلحة العامة، وعلينا أن نتحلى بالمسؤولية في مناقشة قانون بهذه الأهمية”.
وردًا على الحديث عن تهديد السلم الاجتماعي، قال قرقر: “بلادنا صامدة في مواجهة أزمات متلاحقة بفضل نسيجها الوطني المتماسك عبر التاريخ، وهذا التماسك سيستمر بإذن الله حتى قيام الساعة”.
إطار زمني قصير
وحول تفاصيل مشروع القانون، أوضح قرقر أن المادة الثانية المتعلقة بتشكيل لجان لحصر الوحدات وتحديد القيم الإيجارية والسكان الأساسيين كانت محل جدل كبير، داعيًا إلى أن تعمل هذه اللجان في إطار زمني قصير وسريع لضمان دقة التنفيذ، مشددًا على أهمية إيجاد بدائل سكنية في المحافظات التي لا تمتلك ظهيرًا صحراويًا.
وفيما يتعلق بالمادة الثامنة الخاصة بتوفير المسكن البديل، شدد قرقر على ضرورة إعادة صياغتها بما يضمن التزامًا حكوميًا حازمًا بتوفير البدائل، دون ترك المستأجر في مهب المجهول، مؤكدًا أن الأمر لا يحتمل أي تهاون أو تأجيل.
حكم المحكمة الدستورية العليا
ودعا وكيل لجنة النقل زملاءه النواب إلى مواصلة الجهد في تعديل المواد بما يحقق التوازن والعدالة بين الطرفين، وقال: “المالك والمستأجر كلاهما مصري، ونحن نواب مصريون، وقد تصدينا سابقًا لقوانين حساسة، ومن غير المنطقي أن نترك هذا العبء للمجلس القادم”.
وأعلن قرقر تأييده لمشروع القانون، داعيًا إلى الإسراع في مناقشة مواده تمهيدًا لإقراره، وتنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية العليا الذي طالب بتنظيم العلاقة الإيجارية القديمة.
مشرط الجراح
من جانبه، أكد رئيس لجنة الزراعة والري النائب هشام الحصري، أن مناقشة مشروع القانون في يوم 30 يونيو يحمل دلالة رمزية كبيرة، إذ يمثل ذلك التاريخ تحولًا في مسار الدولة نحو تحقيق الأمن القومي والتنمية، معتبرًا أن القانون يهدف أيضًا إلى تحسين واقع الطرفين، المالك والمستأجر.
وطالب الحصري بضرورة تناول المشروع بموضوعية تامة وتجرد، مشبهًا إياه بـ”مشرط الجراح” الذي يحتاج إلى دقة وحذر، موضحًا أن أي قانون لا بد أن يُقابل بتحفظات من بعض الأطراف، لكن المسؤولية تحتم العمل على حماية مصالح الجميع.
مسكن بديل للمستأجر
وشدد على أن الحكومة تعهدت بعدم خروج أي مستأجر إلا بتوفير مسكن بديل له، وهو التزام قانوني ودستوري وأخلاقي، قائلًا: “نحن لن نكون سببًا في طرد أي مستأجر بسيط من بيته”.
وأكد الحصري على أهمية الحفاظ على حقوق الملكية الخاصة من جهة، وعدم الإضرار بالمستأجر من جهة أخرى، داعيًا إلى إصدار قانون عادل، قابل للتطبيق، ومبني على أسس واقعية.
كما طالب الحكومة بالقيام بدورها الكامل في دعم الشرائح البسيطة من المواطنين لضمان حماية الفئات الأكثر تضررًا.
واختتم النائب حديثه بإعلان موافقته على مشروع القانون، داعيًا إلى استمرار المناقشات بما يحقق التوازن المطلوب بين الحقوق والواجبات، ويضمن استقرار المجتمع دون المساس بأي من أطراف العلاقة الإيجارية.