يوسف زيدان.. رحلة “فيلسوف صوفي” من الرسوب إلى محاضرة بتل أبيب

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


على امتداد سنوات طويلة، شكّل يوسف زيدان واحدًا من أكثر الكتاب إثارةً للجدل في المشهد الثقافي العربي، بسبب آرائه الجريئة، ومواقفه الصادمة، وقراءاته المختلفة للتاريخ التي تصطدم بشخصيات إسلامية يحبها رجل الشارع المصري والعربي.

ومن طفولة قاسية مليئة بالانطواء والعزلة، إلى عالم التصوف والفلسفة، ثم نجاح منقطع النظير لرواية عزازيل الذي اتُهم فيما بعد بسرقتها.

لم تكن مسيرة زيدان هادئة، بل ظلت دائمًا تحت المجهر والانتقاد بسبب الآراء الصادمة التي تبناها.

ويستعرض “تليجراف مصر” مسيرة الكاتب يوسف زيدان في يوم ميلاده 30 يونيو 1957 حيث يتم عامه الـ67 كالتالي:

عزلة تامة

وُلد يوسف زيدان في سوهاج لعائلة ثرية من جهة الأب، وأم من الإسكندرية، لكن سرعان ما دبت الخلافات بين الزوجين لينتقل لخلاف بين جدة أبيه وجدة أمه، لينتقل ليعيش بالإسكندرية مع الأخيرة.

اتفق الطرفان أن يعيش الطفل مع عائلة أمه في الإسكندرية، ولا يأتي لزيارة الصعيد إلا عند دخول الجامعة.

انهارت علاقته بوالده بعدما تزوج 6 مرات وأنجب 12 طفلًا، لكنه كان يزوره بين فترة وأخرى، أما الأم فكانت صغيرة في السن (14 عامًا فقط) عند إنجابه، لتتولى جدته تربيته.

في طفولته، كان يوسف هادئًا منطويًا، لا يشارك الأطفال اللعب، بل لجأ للقراءة والكتابة كعالم خاص يحتمي به من صخب الحي الشعبي.

ظهر شغف يوسف زيدان بالكتابة منذ أن كان صغيرًا، حتى إنه اعتاد إعادة كتابة واجباته المدرسية بالكامل، وكان أحد أعمامه أديبًا فتأثر به الطفل الصغير، قبل أن يتجه إلى القاهرة.

يقول يوسف زيدان عن نفسه: “في الإعدادية، قرأت أعمال شكسبير، ثم انجذبت إلى شعر محمود درويش، قبل أن تأسرني الفلسفة في المرحلة الثانوية، خاصة نيتشه، الذي أُعجبت بلغته وجرأته الفكرية”.

بشرة “الصوفي”

بدأ يوسف زيدان رحلته إلى الصعيد لأول مرة في أولى سنواته بالجامعة، تنفيذًا لاتفاق الجدين.

أراد والده الذي تحول إلى “الصوفية” أن يجعلها رحلة روحية بزيارة أضرحة الأولياء، وقبل سفره قابل شيخًا صوفيًا الذي تنبأ أن يكون سفيرًا لكنه لم يقتنع.

التقى يوسف ووالده بشيخ صوفي آخر، في سوهاج أكد أن كلمة “سفير” مشتقة من السفر أي الكتاب، وأن مستقبله يدور حول القراءة والكتابة.

ظهرت آراء يوسف زيدان التي يعتبرها الكثير “شاذة” خلال الامتحانات، إذ كان يكتب رؤيته الخاصة، مما أدى لرسوبه في إحدى المواد، ليتلقى نصيحة من زملائه “اكتب كلام المنهج لو عايز تتخرج”.

تزوّج في سن الخامسة والعشرين من زميلته بالدراسات العليا، واستمر الزواج 15 عامًا لينجبا 3 أبناء: علاء وآية ومي، أما زواجه الثاني، فاستمر 3 أشهر فقط.

ابن الفارض

ويقول يوسف زيدان عن نفسه في حوار صحفي: “انغمست في التصوف، بدءًا من شاعر الصوفية ابن الفارض، ثم أصدرت أول كتاب لي في سن الثانية والعشرين بعنوان “المقدمة في التصوف”.

ونال يوسف زيدان الماجستير عن الصوفي عبد الكريم الجيلي، والدكتوراه عن عبد القادر الجيلاني في سن 29.

“واجهت مؤامرة من كلية الآداب جامعة الإسكندرية ألغت تعييني، لكني حصلت على درجة الأستاذية بالفلسفة الإسلامية من جامعة قناة السويس، وعمري 39 عامًا، لأكون أصغر من حصل عليها”.

“وتقدمت للترقية بأحد عشر كتابًا، بينما كان المطلوب 4 فقط، وشعرت أنني استعدت حقي ولم أعد أريد الاستمرار، وفي يوم تعييني بجامعة قناة السويس، سحبت أوراقي ورفضت استكمال التعيين وقررت التفرغ للكتابة” يوسف زيدان.

خلال الفترة من عام 1992 وحتى 1997، وبالتوازي مع عمله الأكاديمي، تولى الإشراف على سلسلة “كتب الفلسفة والعلم” التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، كما شغل منصب مدير تحرير مواد الفلسفة وتاريخ العلوم في دار الشروق.

ومنذ عام 1994، انضم زيدان إلى فريق العمل في مكتبة الإسكندرية كمستشار، وأسّس قسم المخطوطات بالمكتبة في العام نفسه، وتولى رئاسته لعدة سنوات.

تولى إدارة مركز ومتحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية من عام 2000 حتى 2012، حين قدّم استقالته ونشرها في الصحف، معلنًا انسحابه من العمل المؤسسي، والتفرغ تمامًا للكتابة.

بداية الجدل

أصدر يوسف زيدان عددًا من الروايات، أبرزها: عزازيل، نور، ظل الأفعى، النبطي، جوانتانامو، فردقان “اعتقال الشيخ الرئيس”، الوراق “أمالي العلاء”، مُحال، وحاكم جنون ابن الهيثم.

وقدم 3 مجموعات قصصية هي: حل وترحال، أهل الحي، وفوات الحيوات، كما أصدر كتب اللاهوت العربي وأصول العنف الديني، دوامات التدين، فقه الثورة، التصوف، شجون تراثية، شجون عربية، شجون فكرية، كلمات: التقاط الألماس من كلام الناس، فقه الحب، فقه العشق، وفقه الهيام.

ومن هنا بدأ الجدل بداية من آرائه حول الموضوعات التي يختارها وانتقاده من القاصي والداني حتى اتهامه بسرقة رواية عزازيل.

نجحت رواية عزازيل بشكل رائع، إذ نالت جائزة البوكر العربية عام 2009 وحققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.

ورغم هذا النجاح، وُجهت لزيدان اتهامات بالسرقة الأدبية من روايتي “هيباتيا” للكاتب الإنجليزي تشارلز كينجسلي ومن “اسم الوردة” لإمبرتو إيكو، لكنه نفى الاتهامات تمامًا.

وأكد أن روايته تُرجمت لأكثر من 30 لغة، ونالت جوائز دولية في بريطانيا نفسها، كما امتدحها الكاتب الإيطالي إيكو واعتبرها عملًا فريدًا من نوعه.

“أنا لم أقرأ أصلًا قصة الواعظ الإنجليزي، ولو كانت روايتي مسروقة؛ لما كانت قد تُرجمت، وكتبت عنها كبريات الصحف الإنجليزية، ولما كان قرابة أربعين باحثًا في أنحاء العالم يُعدّون عنها اليوم رسائل الماجستير والدكتوراة، أما رواية الوردة لم أقرأ منها إلا 7 صفحات” يوسف زيدان.

التطبيع وطه حسين

بدأت الأزمة حين أعلن زيدان نيته في إلقاء محاضرة بجامعة تل أبيب بشرط موافقة اتحاد كتاب مصر، ليرد رئيس الاتحاد علاء عبد الهادي سريعًا مؤكدًا أن النقابة ترفض التطبيع الثقافي مع دولة الكيان الصهيوني.

وذكر عبد الهادي أن زيدان تواصل مع مركز موشي ديان الإسرائيلي وتحدث عن جيش الدفاع الإسرائيلي، مما يشكل خطورة على الثقافة المصرية والعربية.

ليرد يوسف بقوة، وأعلن استقالته من اتحاد الكتاب، لكن النقابة نفت تسلمها أي استقالة رسمية.

وخلال جلسة نقاشية، سأل زيدان ضيفه السواح: “من الأفضل؟ أنت أم طه حسين؟”، ليرد الأخير قائلًا: “أنا وأنت أفضل من طه حسين”، وهو ما فجّر ردود فعل غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ورد مدحت العدل بقوة على الثنائي، ليقول: “السواح يمتلك كتبًا وأبحاثًا أسهمت في تحريك الفكر العربي، أما إسهامات يوسف زيدان فأقصى ما يقال عنها أنها جيدة.”

وأضاف: “طه حسين عملاق زلزل المفاهيم التقليدية، وخاض معارك فكرية شجاعة، وفتح آفاقًا جديدة للعقل العربي، لا سيما في كتابه الخالد مستقبل الثقافة، وهو من أرشد السواح وزيدان وغيرهم إلى كيف نفكر ونقاوم ونتطور”.

آراء صادمة

كانت أولى الآراء الصادمة التي ارتطمت بالجماهير، حين قال إن معجزة الإسراء والمعراج لا وجود لها بالمفهوم المتداول حاليًا، كما أن المسجد الأقصى ليس هو القائم اليوم في فلسطين، وأنه لم يكن موجودًا أيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتالي لم يكن المسجد مقصودًا في الآية الكريمة بالقرآن الكريم.

واسترسل زيدان حينما فُرضت الصلاة كان النبي يتجه نحو البيت المقدس كما كان يفعل اليهود، ثم تحول إلى الكعبة التي كانت ما زالت مملوءة بالأصنام.

ولم تتوقف التصريحات المثيرة عند هذا الحد، إذ قال زيدان إن المفردات الدينية جرى تفريغها من معانيها الحقيقية، ضاربًا مثالًا بمصطلح “الغزوة”، الذي وصفه بأنه “يمثل فعلًا احتلاليًا في جوهره”.

وأتم: “الشخص الغازي، في كل السياقات، هو محتل، حتى وإن جرى تجميل المصطلح دينيًا باسم الفاتح”.

“خيبة تقيلة”

أطلق يوسف زيدان تصريحًا آخرًا مثيرًا للجدل، حين تحدث عن “شهر هجري تم حذفه من التقويم الإسلامي، ما أدى إلى خلل كبير”.

وقال زيدان في حوار تلفزيوني: “الشهر المحذوف كان رمانة ميزان يحفظ انتظام الدورة الزمنية، فما نشهده اليوم من اختلال في توقيت الشهور، مثل مجيء ربيع الأول في الصيف، أو وقوع رمضان في ذروة الحر هو نتيجة مباشرة لهذا الحذف، لم يعد رمضان الشهر الحقيقي الذي نعرفه”.

وأضاف: “ما يحدث اليوم هو فوضى في التصورات التاريخية، أثّرت على حياة الناس وصاغت واقعًا غير دقيق، ويجب إعادة النظر في الأسس التي بُني عليها التقويم الهجري، وتحديث الخريطة الزمنية للعرب، فالوضع الراهن (خيبة تقيلة)”.

صلاح الدين أعرج لم يحرر القدس

هاجم يوسف زيدان عددًا من الشخصيات التاريخية الإسلامية منها سيف الدين قطز والظاهر بيبرس وصقر قريش عبد الرحمن الداخل الذي أسس الدولة الأموية بالأندلس، كما هاجم بضراوة صلاح الدين الأيوبي محرر القدس بوصفه أحد أحقر شخصيات التاريخ.

“في المصادر الموثوقة بالكتب وليس في الأفلام مثل فيلم الناصر صلاح الدين، نرى أن صلاح الدين كان كلما دخل في صراع مع أحد يموت خصمه فجأة، كما أنه نهب موارد الدولة لبناء القلاع”.

وتابع: “أصفه بأنه ركيكًا، وعيّن أحد أقاربه الأتراك ليحكم مصر، ومن بين أبرز رجاله الذي اعتمد عليهم بهاء الدين قراقوش، الذي أصبح رمزًا للظلم في الموروث الشعبي”.

وأردف: “صلاح الدين لم يكن فارسًا على الحقيقة بل كان أعرجًا ووجهه مشوهًا وليس شخصية أحمد مظهر في الفيلم، وهذه المعلومات موثقة”.

وأكمل: “صلاح الدين لم يحرر القدس، كما أن الانتصار في معركة حطين كانت بداية فقط لدخول المدينة صلحًا، قبل أن تعود القدس مرة أخرى للصليبيين في عام 626هـ على يد ابن أخيه”.

صلاح الدين الأيوبي

صلاح الدين الأيوبي

وزاد: “من فتحها على الحقيقة هو السلطان قلاوون وأبناؤه، وليس صلاح الدين كما يشاع”.

وواصل: “الغرب يُحب شخصية صلاح الدين لأنه أدخل اليهود إلى القدس، رغم أن العهدة العمرية نصّت على عدم مساكنة اليهود داخل المدينة”.

وأتم: “الطبيب الخاص لصلاح الدين كان موسى بن ميمون، أحد أبرز اليهود في التاريخ”.

“الحب ديني”

وصدم زيدان متابعيه، حين قال إنه يرى أن الحب هو دينه وإيمانه “الحب يُشكل بالنسبة له جوهر الدين والإيمان”.

واستشهد بقول الشيخ الأكبر ابن عربي: “لقد كنتُ قبل اليوم أُنكر صاحبي، إذا لم يكن ديني إلى دينه داني، وقد صار قلبي قابلاً كل صورة، فمرعى لغزلان ودير لرهبان، أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه، فالحب ديني وإيماني”.

وأوضح زيدان أن هذه الأبيات تعبّر بصدق عن رؤيته الوجدانية للحياة، حيث يرى في الحب الإطار الأوسع الذي يتجاوز الحدود الدينية والمذهبية، ويجمع البشر على إنسانيتهم.

ورغم ما حققه من شهرة وجدل، فإن مسيرة يوسف زيدان تبقى موصومة بسلسلة من التصريحات الصادمة ليتعرض لانتقادات من الجمهور.

وتحوّل زيدان، في نظر كثيرين، من مفكر إلى صوت لا يرى إلا ذاته بنشر آراء شاذة كما أنه يشكك في الثوابت، كما أن استفزازه المتكرر جعل كثيرًا من أعماله الأدبية رهينة لصورة مثيرة للانتقاد والنفور أكثر من الإعجاب.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً