صعود العلامات التجارية الصينية.. من التصنيع إلى الابتكار التنافسي

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



بدأت الصين، بعد سنوات من هيمنتها على التصنيع دون بروز لعلامات استهلاكية محلية، في التحول إلى لاعب قوي في بناء علامات تجارية عالمية.

على الرغم من إنتاجها الهائل للسلع، كانت المنتجات الصينية غالباً تُباع تحت أسماء تجارية أجنبية. إلا أن هذا المشهد يتغير بسرعة، مشكّلاً فرصة مهمة للمستهلكين والمستثمرين حول العالم.

وفقًا لتقرير نشرته مجلة “الإيكونوميست”، أصبحت منتجات مثل السيارات الكهربائية الصينية، ومثلجات “ميشيو”، وشاي “تشاجي”، وألعاب “بوب مارت”، مشهداً مألوفاً في مدن مثل ستوكهولم وسيدني وساو باولو. فقد تجاوزت “ميشيو” عدد فروع “ماكدونالدز”، وتخطط “تشاجي” لافتتاح أكثر من 1300 فرع عالمي بحلول 2027. أما “بوب مارت”، فأثارت ضجة بدمى “لابوبو” الشهيرة، التي حازت إعجاب مشاهير عالميين.

وفي السابق، كانت المنتجات الصينية ترتبط بالجودة الرديئة أو التقليد، لكن جيلاً جديداً من الشركات الصينية يعمل الآن على تغيير هذه الصورة. ولم تعد هذه الشركات تركز فقط على الأسعار المنخفضة، بل باتت تبني علامات تجارية متمايزة ترتكز على الجودة والابتكار والهوية الثقافية. فمثلاً، تستلهم “تشاجي” اسمها وشعارها من أوبرا بكين التقليدية، بينما تستوحي لعبة “أسطورة ووكُونغ” من رواية كلاسيكية صينية تعود للقرن السادس عشر.

وتُباع منتجات هذا الجيل بأسعار تضاهي الغربية، بل أحياناً تتجاوزها. بعض دمى “بوب مارت” تباع بما يقارب 835 دولارًا، ومشروبات “تشاجي” تنافس “ستاربكس” في السعر، بينما تقدم السيارات الكهربائية تقنيات متقدمة بجانب كلفة منافسة. وفي المقابل، لم يعد نجاح الشركات الصينية يعتمد على تقليد النماذج الغربية، بل باتت تطور ابتكاراتها وملكياتها الفكرية الخاصة.

دعم محدود

ورغم أن الحكومة الصينية تشيد إعلاميًا ببعض هذه العلامات الناجحة، فإنها لا تقدّم دعماً كبيراً لها، باستثناء قطاع السيارات الكهربائية. فعلى مدار العامين الماضيين، استحوذت شركات المنتجات الاستهلاكية على 3% فقط من التمويل عبر الطروحات العامة في الصين، مقارنة بـ15% لشركات أشباه الموصلات.

ومع ذلك، فإن هذا الصعود يفتح أبواباً جديدة للمستهلكين والمستثمرين. فبينما تحيط المخاوف السياسية والأمنية بشركات تكنولوجيا مثل “تيك توك” و”ديب سيك”، فإن علامات مثل “تشاجي” و”بوب مارت” لا تثير نفس الحساسيات. بل إن “تشاجي” استطاعت جمع أكثر من 400 مليون دولار خلال إدراجها في بورصة نيويورك في أبريل/نيسان الماضي، في ذروة التوترات التجارية بين بكين وواشنطن. كما تستعد شركات صينية أخرى للإدراج في بورصة هونغ كونغ.

وهذا التوسع لا يعني فقط دخول الأسواق العالمية، بل أيضاً تغيراً في السوق المحلية. فالمستهلك الصيني بدأ يُفضّل العلامات الوطنية على الأجنبية، خصوصاً عندما تكون هذه المنتجات متميزة في جودتها وتعبر عن الثقافة الصينية. ما يعني أن العلامات الغربية لم تعد تحظى بالولاء القديم نفسه داخل الصين، ويجب عليها الآن بذل جهد أكبر لفهم السوق المحلي والتكيف معه. التعاون مع شركات صينية ناشئة قد يكون إحدى الاستراتيجيات الممكنة لمواجهة هذا التحدي.

الصين لا تكتفي اليوم بأن تكون “مصنع العالم”، بل تسعى لتكون قوة استهلاكية مبدعة ومصدّرة لعلامات تجارية عالمية. كما أن مسيرتها في هذا الاتجاه لا تزال في بداياتها، إلا أن تأثيرها يتسارع، وخصوصًا في قطاعات مثل السيارات، والموضة، والأغذية، وألعاب الأطفال. وتنطلق العلامات الصينية اليوم في رحلة جديدة نحو الأسواق العالمية، حاملةً معها طموحًا متجدداً، وهوية ثقافية مميزة، وفرصاً واعدة تغير قواعد اللعبة في التجارة العالمية.

aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg

جزيرة ام اند امز

FR



‫0 تعليق

اترك تعليقاً