بين تحذيرات المؤسسات الدولية وقلق الأسواق المالية، تواجه فرنسا واقعاً مالياً مقلقاً قد يتحوّل إلى أزمة سيادية خطيرة إن لم تُتخذ قرارات جذرية في أسرع وقت.
فما الذي يحدث بالفعل في قلب الاقتصاد الفرنسي؟ ولماذا يحذر البعض من تدخل محتمل لصندوق النقد الدولي أو البنك المركزي الأوروبي كما حدث في اليونان؟
أزمة الدين: لماذا لا تُستبعد فرنسا من سيناريو كارثي؟
قالت صحيفة “لكسبريس” الفرنسية، إنه في غضون أيام قليلة، بدت رسالتان متضاربتين حول الاقتصاد الفرنسي، بإمكانية تدخل من البنك المركزي الأوروبي، أو إشراف من صندوق النقد الدولي، موضحة أن تلك الرسائل تدل على أن المعركة لا تزال بعيدة عن نهايتها.
وقالت الصحيفة الفرنسية إنه في 4 يونيو/حزيران الجاري، أعلن المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، فالديس دومبروفسكيس، أن بروكسل “تعلق” إجراءات العجز المفرط بحق عدة دول أعضاء، من بينها فرنسا”.
وقد بررت المفوضية قرارها بالإشارة إلى أن باريس، حتى الآن، تفي نسبيًا بالخطة المالية والهيكلية متوسطة الأجل، أي مسار تقليص العجز العام، المرسلة قبل أشهر.
وفي وزارة المالية الفرنسية (بيرسي)، اكتفوا بـ”أخذ العلم بهذا التقييم الإيجابي”، لكن اللغة قد تكون مضللة: الواقع أن العملية لا تزال جارية.
من جانبه، حذر يحذر جيروم كريل، مدير قسم الدراسات في مرصد الأوضاع الاقتصادية الفرنسية (OFCE) قائلا:” إذا لم نحقق أهدافنا، ستصدر توصيات جديدة. لم نخرج بعد من هذه الآلية”.
وبعد أقل من أسبوع، حلّت أميلي دو مونشالان، وزيرة الحسابات العامة الفرنسية، ضيفة على إذاعة إذاعة “إر.تي.إل” الفرنسية في مقابلة حذرت خلالها من “خطر الوصاية من قبل المؤسسات الدولية، الأوروبية أو حتى الدائنين”، في إشارة إلى تدخل محتمل لصندوق النقد الدولي أو البنك المركزي الأوروبي.
نحو 100 مليار يورو فوائد ديون سنوية؟
وذلك السيناريو القاتم “على الطريقة اليونانية” لم يعد محض خيال. فقد أنهت فرنسا عام 2024 بعجز بلغ 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي -من بين الأعلى في منطقة اليورو- ودَين عام يُقدّر بـ 113% من الناتج، وهو من بين الأسوأ كذلك.
من جهته، قال أوليفييه ريدوليس، مدير الدراسات في معهد Rexecode”نحن في مسار انحدار مالي لا مفر منه. الوضع يشبه دولاً واجهت أزمات قبلنا”، في إشارة إلى اليونان.
وفيما يأمل المسؤولون الفرنسيون أن يتراجع العجز إلى 5.4% هذا العام، إلا أن الأمر يبدو غير مضمون، كما أشار المجلس الأعلى للمالية العامة في 16 أبريل/نيسان، رغم تمرير موازنة 2025 بصعوبة. بالتالي، لا تزال فكرة استقرار الدين العام مؤجلة. وتتوقع فيتش أن يتجاوز الدين الفرنسي 120% من الناتج المحلي بحلول 2028.
ومنذ بداية 2025، أنفقت فرنسا 67 مليار يورو (76.9 مليار دولار) فقط على فوائد الديون، ما يعادل ثاني أكبر بند في الميزانية بعد التعليم، متقدمًا على الدفاع. وإن استمرت الوتيرة الحالية، فقد تصل التكلفة إلى 100 مليار يورو (114.7 مليار دولار) في السنة المقبلة، لتصبح البند الأول في الإنفاق.
مؤشرات حمراء… ولكن لا أحد يقرع الجرس
من جهته، قال مسؤول من ديوان وزير الاقتصاد الفرنسي إريك لومبارد، إن “خطر تدخل صندوق النقد أو البنك المركزي غير وشيك، لكنه وارد في حال فقدنا السيطرة على الدين”، وذلك في محاولة لتهدئة المخاوف، وفقاً للصحيفة الفرنسية.
بدوره، قال المستشار الاقتصادي في مجموعة أوسيوم باتريك أرتوس إن التحذير سياسي قبل كل شيء، موضحاً أن “دو مونشالان تحاول إثارة نوع من القلق لإقناع الرأي العام بالتدابير المالية”.
في المقابل، شدد وزير الاقتصاد الفرنسي الأسبق جان أرتوي، على الفرنسيين أن يفهموا أنه لا يوجد مال سحري”.
تساهل الأسواق والوكالات… حتى إشعار آخر
وقالت صحيفة “لكسبريس” إنه “على المدى القريب، تبقى الأسواق المالية العامل الأكثر حساسية، كما أن فرنسا لا تزال حتى الآن محظوظة، رغم حل البرلمان والشكوك السياسية”.
سيناريو الإنقاذ: البنك المركزي الأوروبي.. أم صندوق النقد الدولي؟
من جانبه، يرى أوليفييه بلانشار، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد، أن سيناريو “وضع فرنسا تحت وصاية الصندوق” ليس مستبعدًا إذا استمر تدهور العجز.
وأضاف أنه “ربما ترتفع الفوارق في العوائد مما يجبر السياسيين على التفاعل أو في أسوأ الأحوال، لا ترتفع بشكل كاف، فتستمر الديناميكية السلبية ويضطر الصندوق للتدخل”.
وقالت الصحيفة الفرنسية:” هل يمكن للاتحاد الأوروبي المساعدة؟”، موضحة أن الإجابة:” نعم، عبر “آلية الاستقرار الأوروبي”، ولكن قد يتم اللجوء لصندوق النقد كوسيط قاسٍ خارجي لفرض الإصلاحات، كما حدث في اليونان لتجنب الصدامات بين الدول الأوروبية.
وتابعت: “يبقى البنك المركزي الأوروبي هو الملاذ الأخير، لا سيما بفضل أداة حماية الانتقال التي تسمح له بالتدخل غير المحدود لكن بشروط!، كما أن فرنسا يجب أن تلتزم بقواعد الانضباط المالي الأوروبي”.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز