في شوارع هادئة بمدينة هوريزونتي البرازيلية، قبل 18 عاما وُلد فتى أصبح اسمه – فيما بعد – يُكتب على لوحات كبار كرة القدم، لاعب أعسر، يراوغ كما لو كان يرقص، ويتحكم بالكرة كأنها جزء من جسده، حتى أُطلق عليه لقب “ميسينيو”، تشبيها بالأسطورة الأرجنتينية ليونيل ميسي.
الحقيقة أن استيفاو ويليان، نجم بالميراس الذي سيقود فريقه البرازيلي أمام الأهلي الليلة في مونديال الأندية، ليس ميسي، ولا يريد أن يكون كذلك.
ولد استيفاو عام 2007 في مدينة هوريزونتي، وانضم في سن العاشرة إلى نادي كروزيرو، ليجذب انتباهًا واسعًا لدرجة أنه سمي ميسينيو، نسبةً إلى ليونيل ميسي، أحد أعظم اللاعبين في التاريخ.
يعود الكثير من الفضل في رحلة استيفاو المبكرة إلى والده، إيفو جونسالفيس، القس الذي لم يكن فقط سندًا روحيًا لابنه، بل أيضًا مرشده الأول في ملاعب الكرة.
كان يرافقه في كل خطوة، يصطحبه أسبوعيًا إلى التدريبات، ويجلس على مقاعد البدلاء مراقبًا كل لمسة وكل تصرف، بعين الأب والمدرب في آنٍ واحد.
كانت أيام استيفاو مزدحمة كحياة الكبار، رغم أنه لم يكن قد تجاوز سن الطفولة بعد، في الصباح، يرتدي زيّه المدرسي ويذهب إلى فصله كأي تلميذ عادي، وبعد انتهاء الحصص، يتوجه إلى مركز أكاديمية كروزيرو خارج مدينة بيلو هوريزونتي لتناول الغداء.
هناك تبدأ المرحلة الثانية من يومه: تدريبات شاقة، يليها وقت مخصص لأداء واجباته المدرسية، في مزيج فريد من الانضباط الأكاديمي والرياضي.
وحين يحل المساء، لا يعود إلى المنزل للراحة، بل يعود إلى المدرسة مرة أخرى، ولكن هذه المرة ليلعب كرة الصالات.
سابق سنه
ورغم أن مدربه في كروزيرو آنذاك لم يمنح موهبته الاهتمام الكافي، إلا أن مهاراته كانت عالية لدرجة أن استيفاو تخطى عدة أجيال في فرق النادي، وتدرب مع لاعبين أكبر سنًا بكثير.
وحين وصل إلى سن الـ12 من عمره، قرر النادي أن يلعب في فئة 17 سنة، ليكون أكثر حضورًا في النادي، وليكون لديه برنامج تدريبي قوي.
كان النادي قلقا في البداية من تعرض اللاعب للإصابات قبل أن يثبت مسينيو أنه يفوق سنه بالطبع، ورغم الفروق البدنية إلا أن ذكاءه وقدرته على اتخاذ القرارات جعله يكتب قصة نجاح مختلفة في النادي.
كان استيفاو يقوم ببعض العمل المنفصل مع المدرب البدني، مع التركيز بشكل أكبر على حركات الكرة، والتحليل اليومي، والتركيز الأساسيات، ثم عمل النادي على كيفية أن يتفادى تدخلات المنافسين العنيفة.
فضيحة لوالده
في عام 2019، ورد اسم استيفاو في فضيحة تخص العقود التي وقعها إيتير ماتشادو نائب رئيس كروزيرو مع رجال الأعمال، إذ كان النادي سيتنازل عن نسب من الحقوق الاقتصادية للشباب واللاعبين المحترفين كشكل من أشكال سداد الديون، وهو إجراء محظور من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم وقانون الأطفال والمراهقين، كما تورط والده في تلك القضية لتحدث أزمة كبيرة بينه وبين النادي.
بعد تلك الأزمة، انتقل الفتي الصغير صاحب الـ14 عاما إلى بالميراس في عام 2021.
وردًا على ذلك، أكد رئيس كروزيرو في ذلك الوقت، سيرجيو سانتوس رودريجيز، هذا الانتقال بأنه “غير أخلاقي”.
وعندما سُئل عن رحيله عن كروزيرو، ذكر والد اللاعب أن السبب الرئيسي هو أنه لم يتلق مساعدة قانونية من النادي وسط تحقيقات الشرطة المدنية وفتح القضية الجنائية بشأن قضية عقود رجال الأعمال.
مختلف عن أي شيء
شارك استيفاو لأول مرة مع فريق بالميراس في ديسمبر 2023، في الجولة الأخيرة ضد ناديه السابق كروزيرو، ليتوج الفريق بطلًا للبطولة، وكان هذا أول لقب لايستيفاو في مسيرته الاحترافية.
في يناير 2024، سجل هدفه الأول في الفوز 3-1 على ليفربول الأوروجوياني في كأس ليبرتادوريس.
خلال الموسم، كان استيفاو أحد أفضل لاعبي بالميراس، وسجل 13 هدفًا وقدم 9 تمريرات حاسمة على مدار 31 مباراة لعبها في الدوري البرازيلي ، 26 منها كلاعب أساسي.
بعد أدائه الرائع، حصل على جائزة الكرة الذهبية التي تقدمها ESPN Brasil كأفضل لاعب في الدوري البرازيلي.
وخلال الموسم الماضي، وبينما كان لا يزال أقل من 18 عاما، أنهى الموسم بفارق هدفين فقط بصدارة هدافي الدوري البرازيلي، وهناك لحظة لخصت التقدم الذي أحرزه.
في الجولة قبل الأخيرة، احتاج بالميراس للفوز خارج أرضه على كروزيرو للحفاظ على آماله في الفوز باللقب، وفي اللحظات الأخيرة من المباراة، كانت النتيجة تشير إلى التعادل 1-1، وحصل استيفاو على ركلة حرة خارج منطقة الجزاء مباشرة، بعد مراوغة رائعة.
وبطريقة رائعة، كما لو أنه وضع الكرة في أقصى الزاوية بيديه، سجل استيفاو الهدف الذي أبقى سباق اللقب مستمرًا، ليقول مدربه أبيل فيريرا عن موهبة ميسينيو “إنه مختلف عن أي شيء رأيته في حياتي”.
طريقة نيمار
ويحلل موقع “تحليل الكرة الشاملة”، طريقة لعب استيفاو، ويصفه “ميسينيو الجناح الأعسر يلعب في أغلب الأحيان على الجانب الأيمن من الملعب، يتميز بقدرته على المراوغة وخفة الحركة ودقته في إنهاء الهجمات، خاصةً من خارج منطقة الجزاء”.
وأضاف: “استيفاو قادر على استلام الكرة في أي مكان في الملعب، ومواجهة الخصوم واحدًا لواحد، واختراق أي دفاع، هو مبدع حقيقي، أسلوبه الرئيسي في المراوغة هو ما يسمى حركة التوقف ، إذ ينتظر المهاجم أن يأخذ الخصم زمام المبادرة لقطع الكرة، ومن ثم يستغل المساحة المفتوحة للتقدم بها”.
وتابع: “أسلوب لعبه الذي يركز على المواجهات الفردية ضد المدافعين وجرأته في الملعب أكسبته مقارنات مع أسماء عظيمة في كرة القدم البرازيلية، بالنسبة لكافو الظهير الأيمن التاريخي، فإن طريقة لعب استيفاو تشبه طريقة نيمار”.
وقال جواو باولو سامبايو، رئيس أكاديمية بالميراس إن “استيفاو هو أفضل لاعب ظهر في كرة القدم البرازيلية منذ نيمار، عندما تشاهده تقع في حبه، إنه يُبهر بالفعل بمهاراته، ولكن، مثل نيمار في هذه المرحلة من مسيرته، لم ينضج بدنيًا بعد، وليس بقوة إندريك، لذا لا يزال بإمكانه التطور كثيرًا، هذا ما يُدهش الجميع ويجعلهم يعتقدون أنه سيصل إلى مستوى أعلى بكثير”.
وأكد أن استيفاو “يتميز بموهبة فريدة لا تُشبه أحدًا، فطريقته في التحكم بالكرة وسرعته الفائقة أثناء الجري بها تمنحه حضورًا استثنائيًا في الملعب، ما يجعله مختلفًا ليس فقط قدراته الفنية، بل شخصيته القوية وثقته بنفسه، تلك التي تجعله يؤمن دومًا بأنه قادر على الإنجاز: سأفعلها، لأنني أستطيع”.
وقارن لاعب البرازيل السابق فابيانو، استيفاو بدنيلسون، مسلطًا الضوء على قدرتهما على المراوغة القصيرة واستعدادهما لمواجهة الخصوم.
من ناحية أخرى، ذكر تحليل أجراه موقع The Scouting App في عام 2023، أن نقاط ضعف استيفاو هي صفاته الدفاعية، وأن أسلوب لعبه يجعله لاعبًا “فرديًا”.
كما علق لاعب الوسط السابق سوزا بأن استيفاو لا يبرز في المباريات التي تعتبر حاسمة.
لست ميسينيو
روعة استيفاو جعلته يصبح أحد أعضاء ما يسمى بـ”جيل بيلهاو”، وهو جيل من اللاعبين يضم أيضا إندريك الذي انتقل إلى ريال مدريد ونجم وست هام لويس جيلهيرمي، إذ كان الثلاثة مواهب كبيرة منذ أن كانوا أطفالًا.
وأصبح استيفاو أصغر لاعب كرة قدم برازيلي يوقع عقدًا مع شركة نايكي، متجاوزًا نيمار ورودريجو، رغم أن الجميع يطلق عليه ميسي الصغير، وقالت عنه صحيفة “آس” الإسبانية خلال كأس العالم تحت 17 عامًا 2023 أن “البرازيل لديها عبقري جديد”، إلا أن اللاعب رفض اللقب.
تألق استيفاو خلال تلك البطولة ليتوج المنتخب البرازيلي باللقب، وخلال مباراة حاسمة في البطولة تعرض لكسر في إصبعه ليطلب منه مدربه سامبايو الخروج من الملعب.
ورد الشاب الصغير: “سأعود للعب في الشوط الثاني، سأعود، وأسجّل هدفًا، وأبحث عنك في المدرجات لأُهدئك”.
ومع المنتخب الأول، شارك بالفعل في 5 مباريات دولية، وكانت أول مباراة له كأساسي في وقت سابق من هذا الشهر خارج أرضه أمام الإكوادور، في أول مباراة لكارلو أنشيلوتي كمدرب للسامبا
وقال استيفاو عن مدربه الجديد “تلقي هذا الود منه أسعدني، أحاول الاستمتاع والاستفادة منه قدر الإمكان لتطوير نفسي، وتحسين أدائي الكروي، والتطور أكثر فأكثر، هذه العلاقة معه مميزة للغاية، إنه شخص صريح ومباشر، دائمًا معنا ويتحدث إلينا، إنه أمر مميز للغاية”.
لعنة البرازيليين في تشيلسي
في 22 يونيو 2024، أعلن بالميراس أن تشيلسي تعاقد رسميًا مع إستيفاو، ومع ذلك، لن ينضم إلا في يوليو 2025 عقب مونديال الأندية، أي عندما يبلغ الثامنة عشرة من عمره.
قرار اختيار تشيلسي كخطوة تالية في مسيرته الاحترافية، كان موضع تساؤل في بلاده، بسبب الوضع المربك للنادي الإنجليزي وسجله الأخير مع البرازيليين الشباب مثل أندريه سانتوس وديفيد واشنطن وأنجيلو جابرييل الذين لم ينجحوا مع البلوز.
