لم يكن طلب بنيامين نتنياهو تأجيل محاكمته مجرد مناشدة قانونية، بل كان استدعاءً لمعادلة أوسع.
فحين تتقاطع قاعات المحكمة مع غرف العمليات، وتختلط إفادات القضاة بمراجعات استخباراتية «استثنائية»، شارك فيها رئيس «الموساد» وقائد شعبة الاستخبارات، فإن السؤال لم يعد: لماذا التأجيل؟ بل: ما الذي يجرى تحضيره خارج الحدود؟
جدل يشبه ذلك الذي سبق الضربة الإسرائيلية الكبرى لإيران، لكن بثوب قانوني غامض؛ فصمت المحكمة يُقابله ضجيج في كواليس السياسة والأمن؛ وسط تساؤلات: هل إسرائيل أمام عملية عسكرية وشيكة؟ صفقة كبرى؟ أم خداع جديد ينسج خيوطه نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟
وللمفارقة فإن ترامب كان هو من أعلن إن المحكمة المركزية طلبت مثول نتنياهو أمامها يوم الإثنين في وقت كان فيه الشارع الإسرائيلي منشغلا بنتائج العملية العسكرية ضد إيران.
وفي غضون أسبوعين غرد الرئيس الأمريكي مرتين مطالبا بإلغاء محاكمة نتنياهو بتهم الفساد، مُصعّدا في تغريدته اليوم بالتهديد بخفض المساعدات الأمريكية لإسرائيل.
وكان ترامب نفسه هو من أشار إلى أن مجمل التسريبات التي نشرت قبل العملية العسكرية ضد إيران كان عملية خداع نسقها مع نتنياهو.
خداع؟
مجمل هذه التطورات باتت تدفع للسؤال عما إذا كان الحديث عن عملية خداع جديدة وإذا كان السؤال نعم فضد من؟
ويوم الجمعة، رفضت المحكمة المركزية الإسرائيلية مرتين طلب نتنياهو تأجيل محاكمته لمدة أسبوعين بسبب انشغاله بقضايا أمنية.
وعلى نحو مفاجئ، وافقت المحكمة اليوم الأحد على طلب جديد قدمه نتنياهو، لكن جاءت موافقتها جزئية؛ إذ سمحت بتأجيل المحكمة لأسبوع واحد يمكن تمديده في حال استدعت التطورات ذلك.
وكشف النقاب عن أن نتنياهو وصل سريا إلى المحكمة من أجل إقناع قضاتها وجها لوجه بقبول طلبه. ولم يكن وحده الذي حضر أمام قضاة المحكمة، وإنما أيضا رئيس “الموساد” دافيد برنياع ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية شلومي بيندر ونائب رئيس المجلس الأمن القومي.
وبرر برنياع وبيندر وجوب تغيب نتنياهو عن جلساتي المجكمة يومي الإثنين والأربعاء القادمين.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية: “قدم بيندر تقييمًا استخباراتيًا واستراتيجيًا بطلب من رئيس الوزراء ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، بعد الحصول على موافقة رئيس أركان الجيش إيال زامير”.
وأضافت: “قدم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية إلى قضاة المحكمة مراجعة استخباراتية استراتيجية، بناء على طلب نتنياهو وكاتس”.
وتابعت: “في المرة الأخيرة، كشف بيندر للقضاة عن خطة التحضير لهجوم على إيران، مما سمح بإجراء تغييرات في شهادة رئيس الوزراء”.
وعلى إثر الشهادات، قال قضاة المحكمة: “في ضوء الإيضاحات التي تم تقديمها.. فإننا نوافق جزئيا على الطلب، وفي هذه المرحلة نلغي أيام شهادة نتنياهو، المقرر إجراؤها في 30 يونيو/حزيران 2025 و2 يوليو/تموز 2025”.
وأضاف القضاة: “نظرا لحقيقة أن هناك درجة متأصلة من عدم اليقين فيما يتعلق بالتطورات ذات الصلة، فإننا في هذه المرحلة لن نلغي جلسات الاستماع المقرر عقدها الأسبوع المقبل” معلنين الاستعداد للنظر في طلب تمديد إذا ما استدعت الضرورة ذلك.
أحداث مرتقبة
ووفقا للتبريرات المقدمة إلى المقدمة، فإن التطورات المرتقبة تتطلب من نتنياهو التفرغ بشكل كامل لمتابعتها.
وكان نتنياهو قال الخميس في رسالته إلى المحكمة إنه يطلب التأجيل لأسبوعين “بسبب التطورات الإقليمية، وكذلك القتال في غزة وقضية المختطفين”.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “جاء رئيسا الموساد والمخابرات العسكرية إلى جلسة سرية في المحكمة بطريقة غير معتادة – وأرجأت شهادات نتنياهو في محاكمته”.
ولم يفسر نتنياهو علنا أسباب طلب التأجيل فيما يشير حضوره شخصيا إلى المحكمة وكذلك رئيس “الموساد” ورئيس شعبة الاستخبارات إلى أن هناك شيئا ما يجري.
ومعلوم أن “الموساد” وشعبة الاستخبارات العسكرية يختصان أساسا بالعمل العسكري والاستخباري خارج حدود إسرائيل، ما قد يؤشر إلى أن الحديث هو عن عمل ما خارج إسرائيل.
تأتي هذه التطورات -أيضا- في ذروة مفاوضات حول التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب على غزة وإعادة الرهائن الإسرائيليين، وكذلك في ذروة مفاوضات سرية حول إبرام اتفاقات إقامة علاقات مع دول عربية وإسلامية.
3 تطورات
وفي حين يتم التزام الصمت المطبق إزاء أسباب التأجيل، فإنه تجدر الإشارة إلى 3 تطورات مهمة يجرى الحديث عنها في الأيام الأخيرة:
اتفاق وقف النار
يجرى الآن التحضير لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، كجزء من عملية إقليمية أوسع تشمل اتفاق إقامة علاقات مع دول عربية وإسلامية.
واليوم الأحد، غرد ترامب بأنه آن الأوان للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة وإعادة المختطفين الإسرائيليين.
وتقول وسائل إعلام إسرائيلية، إن ترامب يضغط على نتنياهو من أجل التوصل إلى اتفاق حول غزة بما يفسح الطريق لإقامة علاقات مع دول عربية وإسلامية لتوسيع اتفاقيات إبراهيم.
وتتطلب مثل هذه التطورات تفرغ نتنياهو في اتصالات ومشاورات من أجل التوصل إلى اتفاق، علما بأن مساعده القريب وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر سيصل غدا إلى واشنطن، لبحث الأمر مع المسؤولين الأمريكيين.
وفي تطور قد يكون له صلة، أبلغت الحكومة الإسرائيلية سكان البلدات القريبة من غزة بالاستعداد لترك أماكن الإيواء خلال شهر، اعتبارا من يوم بعد غد والعودة لبيوتهم.
والبلدات المعنية بالقرار هي الاكثر تضررا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والأكثر قربا على القطاع وتشمل: بئيري، حوليت، وكيسوفيم، وكفار عزة، وكيرم شالوم، وناحال عوز، ونيريم، ونير إسحاق، ونير عوز، ونتيف هعسرا، وصوفا، وعين هشلوشا.
عملية عسكرية واسعة
قال موقع “واللا” الإخباري الإسرائيلي: ” يعقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال إيال زامير اليوم (الأحد) مناقشة حول الخطوات التالية في قطاع غزة: صفقة رهائن أو العودة إلى مناورات عسكرية”.
وأضاف نقلا عن مصادر عسكرية إسرائيلية: “على ما يبدو، إذا لم يكن هناك انفراجة كبيرة في المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن في الأيام المقبلة، سيطلب من الجيش الإسرائيلي القيام بتحركات عسكرية واسعة النطاق بطريقة تختلف عما تم تنفيذه حتى الآن”.
وتابع: “في الجيش الإسرائيلي هناك خلاف حول استمرار التحركات في غزة وإنهاء الحرب بعد الإنجازات الكبيرة. ومن إنجازات الجيش الإسرائيلي في الحملة: تدمير البنية التحتية، والقضاء على القيادة العليا باستثناء قائد لواء مدينة غزة في “حماس” عز الدين الحداد وقتل نشطاء وقادة ميدانيين، وتدمير أسلحة وأنفاق، واستيلاء الجيش الإسرائيلي على أكثر من 50٪ من أراضي غزة”.
وأردف: “يعتقد الجيش الإسرائيلي أن هذه الإنجازات دفعت حماس إلى أدنى مستوياتها منذ أن بدأت السيطرة على قطاع غزة قبل حوالي 20 عاما ونقل ثقلها إلى المجال السياسي. وقال مصدر أمني رفيع المستوى هذا الأسبوع بعد العملية في إيران إن “العملية في إيران علمت حماس أنها بحاجة أيضا إلى معرفة متى تنهي القتال”.
وأشار إلى أنه “مع ذلك، هناك من في المستويات العليا في الجيش الإسرائيلي يعتقدون عكس ذلك. أنه لا يوجد خيار سوى الشروع في مناورة واسعة ومن جهة أخرى، قالت المصادر إن القتال في المناطق المكتظة بالسكان والمشبعة بالأنفاق سيؤدي إلى مقتل مقاتلي الجيش الإسرائيلي”.
اليمن تحت المجهر الإسرائيلي
تشير إسرائيل منذ فترة إلى أنها بحاجة للقيام بعملية واسعة ضد الحوثيين في اليمن الذين يستمرون في إطلاق الصواريخ على إسرائيل دون توقف. وقد نفذت إسرائيل عدة هجمات ضد الحوثيين غير أن هذه الهجمات لم توقف الصواريخ والمسيرات.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز