في قلب إمبابة، وعلى أسطح منازلها، لعب إسماعيل يوسف كرة القدم لأول مرة، وفي بيت لا يعرف من الحياة إلا لونين: الأبيض والأحمر، وأحاديث لا تنتهي عن نادي الزمالك.
هناك، وبين شوارع الحي الشعبي، بدأت رحلة الطفل الصغير باللعب مع أصدقائه وإخوته، فشقيقه الأكبر هو “الغزال” إبراهيم يوسف، أحد أعظم من أنجبتهم الكرة المصرية.
إسماعيل يوسف “تيجانا” أحد أفضل اللاعبين في تاريخ الكرة المصرية، واشتهر نجم الزمالك بهذا اللقب الذي أطلقه الراحل نجيب المستكاوي تشبيها له بنجم منتخب فرنسا، واستمر مع الجماهير.
ويستعرض “تليجراف مصر” ميسرة إسماعيل يوسف الذي يتم اليوم عامه الـ61 كأبرز لاعبي الكرة المصرية كالتالي:
فوق أسطح إمبابة
تعلق إسماعيل يوسف بكرة القدم في شوارع إمبابة، وكان لديه 3 إخوة سبقه في لعب كرة القدم، الأول هو إبراهيم يوسف نجم الزمالك ومنتخب مصر، والثاني هو سيد الذي لعب بنادي الترسانة، أما الأخ الكبر فهو محمد الذي لعب لنادي البنك الأهلي.

كانت العائلة كلها مرتبطة بكرة القدم، إذ كان والده “زملكاويًا” جدًا، وكذلك والدته، وكانت الأسرة تعيش في إمبابة.
اعتاد إسماعيل لعب كرة القدم على سطح المنزل مع إخوته، وفي إحدى المرات سمع أخبار عن وجود اختبارات في نادي الزمالك تقام في الساعة السابعة صباحًا.
قرر إسماعيل الذهاب للاختبارات برفقة 11 صديقا له، وذهب على قدمه لتوفير أجرة المواصلات، ليشتري بها طعامًا أو عصيرًا.”
بعد 3 أيام انضم إسماعيل يوسف إلى قطاع الناشئين، ليلعب في فريق تحت 15 سنة مع حمادة عبد اللطيف وأيمن يونس ومجدي طلبة وأشرف قاسم وأحمد رمزي.
“سيد سيد”
انضم إسماعيل يوسف إلى الفريق الأول في يوم 28 يونيو 1984 وهو يوم عيد ميلاده بعد ترشيح من حمادة الشرقاوي.
كان المنتخب كان يستعد لأولمبياد لوس أنجلوس، فضم مجموعة من اللاعبين الأساسيين، والنادي أكمل الموسم بمجموعة ثانية، ليختاره حسن شحاتة رفقة صلاح طه، وأشرف عبد الصمد وآخرين.
وحالفه الحظ أن يلعب أول مباراة له ضد نادي الترسانة التي انتهت بفوز الزمالك 2–0، وكان أخوه سيد أحد نجوم الفريق، وكانت المباراة أيضا تصادف يوم عيد ميلاده.
في مباراة أخرى ضد الترسانة، تدخل عليه عامر عبد المقصود تدخلاً عنيفًا جدًا، وكان الملعب ممتلئًا بنحو 90 ألف مشجع، ليسقط إسماعيل على الأرض.
وفجأ ذهب أخوه سيد ليضرب زميله لأنه تدخل عليه بعنف، ليردد الجمهور “سيد سيد”، ويشجعه الجمهور.
ويقول تيجانا: “كنا نعيش معًا في نفس البيت وقتها، ووالدتي كانت تقول لي، ربنا يجيبكم سالمين، بس إن شاء الله الزمالك يكسب”.
ويضيف: “كان الأمر صعبًا، لكني شعرت بحب سيد لي في هذه اللحظة”..

على خطى الغزال
في عام 1985، التحق إسماعيل بكلية الشرطة على خطى الغزال ثم تركها وانضم إلى كلية التربية الرياضية ليواصل مسيرته الكروية بتركيز أكبر.
في 1985، أُصيب الغزال بقطع في الرباط الصليبي، وكذلك أشرف قاسم وسعيد الجداوي، فأصبحت هناك فجوة في هذا المركز، ليقرر المدرب باركر مشاركته في مركز الليبرو.
لعب إسماعيل كليبرو، من هنا بدأت المقارنات من جديد مع “الغزال”، بعد عودته جلس إسماعيل على دكة البدلاء لفترة، لكن ذلك لم يؤثر عليه نهائيًا، إذ كان يتعامل مع التدريب كأنه مباراة رسمية.
جاءته الفرصة ليشارك من جديد، وفاز الفريق ببطولة أفريقيا 1986، ومن هنا بدأت رحلته مع منتخب مصر في نهاية العام مع المدرب الإنجليزي مايكل سميث.
“أنت ستكون أفضل لاعب وسط في مصر، لكنك ستجلس احتياطيًا لفترة، لأن اللاعب الأساسي كان مجدي عبد الغني”.. مايكل سميث.
جلس إسماعيل فترة احتياطي، وكانت أول مباراة له أساسيًا أمام كوريا الجنوبية في قطر، ومنذ تلك اللحظة، استمر في المنتخب لمدة 11 سنة.

العكاز قبل المونديال
في سنة 1988، حقق الزمالك الدوري والكأس والكأس الأفروآسيوية وكأس الاستقلال، ليفوز النادي بأربع بطولات مع عصام بهيج.
بعد تولي محمود الجوهري مسئولية منتخب مصر، أضاف له واجبات هجومية جديدة وكان يشركه كجناح أيمن أو أيسر، كما حدث في مباراة هولندا بكأس العالم حين أشركه في مركز الجناح، لإيقاف فانين بير.
تعرض إسماعيل يوسف لإصابة قوية إثر تدخل عنيف في مباراة أمام ليبيريا في عام 1988، ليغيب لمدة 10 شهور، تنقل فيها بين إنجلترا وألمانيا للعلاج.
عاد قبل مباراة الجزائر الحاسمة في تصفيات كأس العالم، وكان الجوهري بدأ يعتمد على هشام عبد الرسول في وسط الملعب.
“كنت وقتها في الملعب بالعكازين، على الدكة، وميزة الجوهري كانت الجانب النفسي، وكان يعتبرنا أبناءه، دائمًا ما يكون في ظهرك، حتى وأنت مصاب، يتصل بك ويطمئن عليك، هذه العلاقة خلقت لدينا رغبة في رد الجميل له”.
“وصلنا إلى كأس العالم بعد الفوز على الجزائر، وكان ذلك بداية حقيقية لجيلنا، رغم المعاناة الكبيرة في التحضيرات البدنية والنفسية، بين الجري في الرمال، وتسلق الجبال”.
“لكن منذ اليوم الأول لوصوله، علّق لافتة كبيرة في المعسكر كتب عليها “الهدف: كأس العالم”، وكان ذلك يخلق داخلنا شعورًا حقيقيًا بالإيمان والطموح” إسماعيل يوسف.
رغم إصابته الطويلة، شارك إسماعيل في كل المباريات الودية، و3 مباريات بكأس العالم 1990، بعد تعرض هشام عبد الرسول لحادث سير قبل البطولة.
بعد العودة من كأس العالم، طبق نظام الاحتراف في مصر، ووقّع إسماعيل على عقود لمدة 4 سنوات مقابل بـ35 ألف جنيه، وكان مبلغا كبيرًا وقتها يكفي لشراء سيارة.
“توليفة” ذهبية
في التسعينيات، قدم الزمالك فترة رائعة، وبلغ الفريق مرحلة نضج كبيرة، وكان يتكوّن من مجموعة لاعبي كأس العالم، بالإضافة إلى عناصر مميزة مثل أيمن منصور، عصام مرعي، حسين عبد اللطيف، مصطفى نجم، وعفت نصار.
الزمالك كوّن فريقا قويا ومتكاملا، لعب إسماعيل يوسف بجوار رضا عبد العال ضمن الوسط، ومعه إيمانويل أمونيكي، وكان يمتلك توليفة رائعة.
“كنا نأتي إلى النادي قبل التدريب بأربع ساعات، نجتمع، نفطر، نلعب، ونبتكر ألعابًا داخل غرفة الملابس مثل “الهيدرز”.
“في أحد المواسم، سجلنا 25 هدفًا بالرأس، بفضل التدريب المكثف على التحكم في التمرير الهوائي والكرات العرضية” إسماعيل يوسف.
نجح المدرب ديف مكاي مع الزمالك، واعتمد على سياسة تثبيت التشكيلة بشكل واضح، وهو ما منح الفريق استقرارًا كبيرًا في الأداء والتنظيم داخل الملعب، ليفوز الفريق بالدوري.

من الامتحان إلى الملعب
في إحدى المرات، تزامن امتحان البكالوريوس في كلية التربية الرياضية مع مباراة مهمة أمام المنيا، ليوافق المدرب على مشاركة إسماعيل في المباراة، ونسّق النادي لإرسال سيارة خاصة تنقله بعد الامتحان مباشرة إلى ملعب اللقاء.
لكن تعرّضت السيارة لعطل مفاجئ في الطريق، واضطر اللاعب إلى توقيف سيارة تابعة لأحد مراسلي جريدة الأهرام، الذي كان في طريقه لتغطية المباراة.
ووافق المراسل على اصطحابه، ليصل إلى الملعب بعد بداية المباراة بحوالي ربع ساعة، دخل غرفة الملابس سريعًا، تناول شيئًا بسيطًا من الطعام، ثم فوجئ بقرار المدرب بإشراكه في الشوط الثاني بآخر 25 دقيقة، في مباراة انتهت بفوز كاسح للفريق بنتيجة 6–0.
بعد تحقيق الدوري، بدأ الفريق يتفكك تدريجيًا، إذ انتقل أشرف قاسم إلى الهلال السعودي بعد نهاية عقده، ورفض رضا عبد العال التجديد ورحل إلى الأهلي، لم يمدد جمال عبد الحميد عقده مع النادي، وطُلب منه الاعتزال.
وتلقى إيمانويل عروضًا من أندية أوروبية كبرى مثل سبورتينج لشبونة وبرشلونة، وهكذا، تفكّك الفريق الذي كان يمكنه الاستمرار لسنوات وتحقيق المزيد من البطولات.
وبعد الخسارة أمام الأهلي، قررت إدارة الزمالك إقالة ديف مكاي، رغم طرد نبيل محمود في وقت مبكر من المباراة، وكان القرار مفاجئًا للجميع، لأن الفريق كان في أفضل حالاته.
أحب لاعبو الزمالك شخصية المدرب الاسكتلندي، وحظي باحترام وحب الجميع، إذ كان يعرف كيف يدير فريقًا مليئًا بالنجوم.
“في مباراة شهيرة أمام الأهلي، كنا متأخرين في النتيجة، وكعادتي، تقدّمت للأمام عندما نشعر بالخطر. وتعرضت لعرقلة داخل منطقة الجزاء، كنت أظن أنها ركلة جزاء مؤكدة، ولكن الحكم محمد فتحي احتسبها ضربة مرمى”.
“غضبت كثيرًا، وقررت الخروج من الملعب، تركت المباراة، وخرجت بالفعل، ولكن أحد الإداريين لحق بي قائلا: “لا تزال هناك ربع ساعة”.
“فعُدت بسرعة، ارتديت ملابسي مجددًا، وعدت للملعب دون أن يمنعني أحد، لا من الجهاز الفني ولا الحكم، وهو أمر غريب”.
“بعد سنوات، التقيت بالحكم محمد فتحي، وسألته عن تلك الواقعة، فقال إنه أخطأ في التقدير، وكان يظن أنني تظاهرت بالسقوط، لكن الحقيقة كانت واضحة جدًا، وركلة الجزاء كانت مستحقة” إسماعيل يوسف.
فريق الأحلام
وفي ختام مسيرته، عايش إسماعيل يوسف فترة “فريق الأحلام”، في فريق رائع تكون من نجوم مثل، محمد صبري، أيمن منصور، عصام مرعي، عفت نصار، حسين السيد، نادر السيد، أشرف قاسم، حازم إمام، هشام يكن، أحمد رمزي ومدحت عبد الهادي… وكانت دكة البدلاء مليئة بلاعبين كبار مثل أيمن شوقي ومحمد عبد الجليل.

لكن بداية النهاية، كانت مع تعيين الثنائي فاروق جعفر وأحمد رفعت، لتكون مشكلة حقيقية بتواجد مديرين فنيين في وقت واحد، مما خلق مشكلة حقيقية، وحدثت خلافات واختلافات في الرؤى بينهما.
وانتشرت شائعات وقتها بأن كل طرف يقول شيئًا مختلفًا عن الآخر، وأن الخلاف الفني بينهما أثّر على بعض القرارات وأداء الفريق.
وبعد أن تصدر الزمالك بطولة الدوري بفارق 13 نقطة في موسم 1996-1997، خسر الأبيض اللقب، وأكد الجميع أن ثقة الفريق في نفسه تحولت إلى غرور دمر الفريق.
تحية عسكرية
في موسم 1997، تعرض إسماعيل لإصابة في الركبة استدعت السفر إلى ألمانيا للعلاج على نفقته الخاصة، بعد رفض إدارة النادي تحمل التكاليف.
وعقب عودته، التحق بمعسكر الفريق في هولندا، لكن المدرب رود كرول انتقد مستواه منذ أول تمرين، متجاهلًا فترة العلاج الطويلة، وأبلغه بأنه لن يتم قيده مع الفريق.
وبدأت أخبار تنتشر داخل أروقة النادي، أن عضو مجلس إدارة طالب المدرب الهولندي بضرورة “التخلص من اللاعبين الكبار”، رغم أن اللاعب كان في أوج عطائه، حيث حصل قبلها بعام على جائزة أفضل لاعب في مصر وفقًا لاستفتاء الأهرام.
وقدم يوسف مستويات رائعة، لدرجة أن بعض زملائه (عبد الحميد بسيوني وسامي الشيشيني) كانوا يؤدون له التحية بعد تسجيل الأهداف، تقديرًا لمكانته ودوره.
وتوج الفريق بالبطولة الأفريقية للأندية في منتصف الموسم، ليختتم تيجانا مشواره مع نادي الزمالك.
اللافت أن المدرب كرول عاد واعترف بخطئه بعد مستوى إسماعيل المبهر، وسعى للتكفير عن موقفه، ومنح اللاعب الذي أراد أن يصبح مدربا، فرصة معايشة تدريبية مع نادي أياكس أمستردام، ليتعرّف على النجم الهولندي رونالد كومان، الذي عبّر عن احترامه الكبير للاعب قائلاً: “لقد لعبت ضده من قبل”.
بعد اعتزال إسماعيل يوسف في أواخر التسعينيات، دخل مباشرة مجال التدريب، تُوّج إسماعيل يوسف بكأس الأمم الأفريقية مع منتخب مصر تحت قيادة حسن شحاتة، ثم كأس العالم للشباب.
رشّحه محمود الجوهري لتولي تدريب نادي الوحدات الأردني، إذ قضى عامًا ناجحًا، ثم عاد إلى مصر ليقود فريق الجونة، في واحدة من أبرز محطات مسيرته التدريبية.
وعمل بعدها في نادي المصرية للاتصالات ونادي مصر (زد حاليا) قبل أن يتجه إلى مجلس إدارة الزمالك ومنه إلى تحليل المباريات على القنوات الفضائية، ليصبح لاعبا ومدربا وإداريا مميزا.
