في لحظة مصيرية قد تحدد مسار الشرق الأوسط، يواجه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، معضلة عسكرية وسياسية معقدة تتمثل في حرب إيران.
لكن المفارقة تكمن في أن عملية صنع هذا القرار المحوري تدور داخل دوائر ضيقة، حيث أُبعدت شخصيتان بارزتان كان يُنظر إليهما كنجوم في فترة تعيينهما، مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، عن صلب عمليات التشاور.
وعوضا عنهما، يعتمد ترامب على مجموعة صغيرة من المستشارين الأقل بريقاً إعلامياً لكنهم يتمتعون بخبرات عملياتية عميقة، تشمل نائب الرئيس جي دي فانس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كاين، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ومدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف.
يأتي هذا التحول الجوهري في تركيبة المستشارين في وقت يدرس فيه البيت الأبيض استخدام أسلحة أمريكية متطورة من طراز “القنابل الخارقة للتحصينات” لاستهداف منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية المدفونة على أعماق كبيرة، خاصة في فوردو ونطنز.
هذه الخطوة، التي تعجز عنها القدرات الإسرائيلية وحدها، قد تجر واشنطن إلى حرب إقليمية شاملة مع عواقب اقتصادية وسياسية غير محسوبة، من انتقام إيراني محتمل ضد القواعد الأمريكية إلى اضطرابات في الأسواق العالمية.
القطيعة مع غابارد
توترت علاقة ترامب بمديرة استخباراته تولسي غابارد إلى حد القطيعة العملية بعد سلسلة من الإشكالات التي تعكس صداماً في الرؤى.
وعندما نشرت غابارد مقطعاً مصوراً من موقع القصف النووي الأمريكي عام 1945، تحذر فيه من أن العالم “أقرب إلى حافة الإبادة النووية أكثر من أي وقت مضى”، غضب الرئيس الذي واجهها مباشرة في اجتماع بالبيت الأبيض قائلاً: “رأيت الفيديو ولم يعجبني”.
وزادت الفجوة عندما أكدت غابارد أمام الكونغرس أن التقييم الرسمي لوكالات الاستخبارات الأمريكية يشير إلى أن إيران “لم تستأنف برنامج الأسلحة النووية الذي أوقفته عام 2003″، وهو ما يتناقض مع سردية ترامب.
وردا على سؤال صحفي، قلل الرئيس من شهادتها بقوله: “لا أهتم بما قالته… هم قريبون جداً من امتلاك القنبلة”.
وزير الدفاع الشبح
رغم البيانات الرسمية المطمئنة من البنتاغون (هيغسيث يتحدث مع الرئيس يومياً)، تؤكد مصادر متعددة أن الجنرالين دان كاين (رئيس هيئة الأركان) وإريك كوريلا (قائد القيادة المركزية) أصبحا قناتي الاتصال الرئيسيتين مع ترامب في الشؤون العسكرية، متجاوزين وزير الدفاع هيغسيث بشكل شبه كامل.
وصرح أحد المسؤولين بشكل قاطع: “لا أحد في البيت الأبيض يتواصل مع هيغسيث… لا يوجد أي حوار عملياتي”.
يعود هذا التهميش جزئياً إلى تداعيات فضيحة “سيغنال غيت”، حيث شارك هيغسيث عن غير قصد معلومات سرية في مجموعة دردشة إلكترونية ضمت صحفياً بارزاً، مما أثار شكوكاً حول قدراته، وأضعف ثقة البيت الأبيض به.
ويقدم الجنرال كوريلا الذي يتبنى موقفاً هجومياً ضد إيران، خيارات عسكرية متنوعة للرئيس دون التوصية بضربة محددة، بينما يركز الجنرال كاين على “التداعيات غير المباشرة” لأي عمل عسكري، خاصة التأثيرات الجيوسياسية واللوجستية طويلة المدى.
هذا التوازن في النصائح العسكرية يحدث في غياب التوجيه الاستراتيجي من وزير الدفاع الذي تقطعت به السبل.
وخلصت الصحيفة إلى أنه في ظل هذه الديناميكيات، يصبح قرار الضربة المحتملة ضد إيران اختباراً ليس فقط لمستوى التصعيد في الشرق الأوسط، بل أيضاً لمتانة آليات صنع القرار في واحدة من أعقد الإدارات الأمريكية في التاريخ الحديث.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg
جزيرة ام اند امز