لحظة صعبة جديدة تعيشها السياسة الفرنسية في وجود برلمان بلا أغلبية، إذ تتصارع تكتلات سياسية على مصير الحكومة.
ورأى خبراء سياسيون فرنسيون، أن خطوة الحزب الاشتراكي الأخيرة بطرح مذكرة لحجب الثقة عن حكومة فرانسوا بايرو، بدت في البداية محاولة ذكية لإثبات الذات واستعادة زمام المبادرة داخل اليسار، إلا أنها تحولت إلى خطأ استراتيجي ثلاثي الأبعاد.
وبدلاً من توحيد صفوف المعارضة، عمّقت هذه الخطوة الانقسامات وأضعفت فرص إسقاط الحكومة، مما يمنح بايرو فرصة للبقاء، على الأقل حتى الخريف.
وقال لوران بوييه، الباحث في مركز الدراسات السياسية الأوروبية (CEVIPOF) لـ”العين الإخبارية”، إن الحزب الاشتراكي وقع في فخ الاستعراض السياسي.
واعتبر بوييه، أن الحزب الاشتراكي “قدم خطوة كان يمكن أن تكون ذكية، لكنها تحولت في غياب التنسيق مع بقية اليسار، إلى إضعاف للمعارضة أكثر منها تهديد للحكومة”، موضحاً أن هذا التصرف “يفتح الباب أمام بايرو ليكسب وقتًا إضافيًا دون أن يُقدّم تنازلات فعلية”.
من جانبها، رأت سيلين فيريه، أستاذة العلوم السياسية في معهد باريس للعلوم السياسية لـ”العين الإخبارية”، إن ما حدث هو مثال حي على أزمة القيادة داخل المعارضة الفرنسية.
وأوضحت أن الاشتراكيين “أرادوا استعادة مركزية القرار، لكنهم بذلك عززوا صورة انقسام المعارضة، وهو ما يخدم بايرو في هذه المرحلة الحساسة التي تسبق معارك الخريف الكبرى حول الموازنة”.
وأوضحت أنه “في الظاهر، بدا طرح الحزب الاشتراكي لمذكرة حجب الثقة وكأنه مناورة سياسية بارعة. إذ إن هذه المبادرة مكّنت نواب الحزب من تفادي الرضوخ لضغوط فرنسا الأبية؛ أكبر حزب يساري في البرلمان”.
وتابعت أن “الحزب الاشتراكي وجد فرصة ليظهر كمكون معارض مستقل ويعيد التموضع بوضوح على الخريطة السياسية”، موضحة أن “رئيس كتلته النيابية، بوريس فالو، لم يفاجئ أحدًا، بل سبق وأن نبه رئيس الوزراء فرانسوا بايرو الأسبوع الماضي بأن مذكرة حجب الثقة تنتظره إن لم يلتزم بعرض ملف التقاعد للنقاش البرلماني. لكن، كما في كثير من الأحيان، قد تكون المظاهر خادعة”.
موقف أقصى اليمين
ورغم أن المذكرة ستُناقش يوم الثلاثاء المقبل في الجمعية الوطنية (البرلمان)، إلا أن حزب “التجمع الوطني” (أقصى اليمين) بزعامة مارين لوبن، أعلن صراحة أنه لن يدعمها.
بل اعتبر الحزب أن “لحظة الحقيقة” الحاسمة “لم تحن بعد، بل ستكون في الخريف، مع مناقشة ميزانية الدولة”.
ورأت الباحثة السياسية الفرنسية أن هذا الموقف “قد يغضب قواعد الحزب، لكنه يعكس استراتيجية انتظار الفرصة الأكبر: إسقاط الحكومة عبر موازنة 2026، ما قد يمهّد لحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة قبل رئاسيات 2027.
تمزق يساري
وعلى الجبهة اليسارية، ورغم أن الأحزاب الأخرى مثل “فرنسا الأبية”، “الخضر”، و”الشيوعيين” ستصوّت مع مذكرة الحجب، إلا أن الحزب الاشتراكي اختار عمدًا ألا يُشركهم في صياغتها، في دلالة رمزية على قطيعة مع “فرنسا الأبية”، ومحاولة للظهور كقوة قيادة يسارية بديلة.
هذا التصدع داخل اليسار يُضعف دون شك زخم المذكرة، ما يقلّص فرص نجاحها في إسقاط الحكومة، بحسب صحيفة “ويست فرانس” الفرنسية.
وفقًا للمعطيات السياسية الحالية، لن تسقط حكومة فرانسوا بايرو هذا الأسبوع. إلا أن بقائها لا يبدو مضمونًا لفترة طويلة، إذ أصبح بايرو أكثر عزلة، في وقت يقترب فيه من استحقاقات فرضها على نفسه: تقديم خطة للتقشف بحلول منتصف يوليو/تموز، ومحاولة دمج نتائج “خلوة التقاعد” في مشروع موازنة 2026.
إلا أن الجمع بين ملفي التقاعد والميزانية سيعطي خصومه فرصة مثالية لتوحيد صفوفهم ضده مع عودة البرلمان للانعقاد في الخريف.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز