في ظل تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يدعو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى تسريع التوصل إلى اتفاق مشترك بشأن الرسوم الجمركية، محذرًا من أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.
وبين رغبة باريس في التهدئة وسعي واشنطن لحماية صناعاتها الوطنية، تزداد التعقيدات، وبين الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع الرسوم الجمركية على البضائع الأوروبية.
ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الخميس، إلى التوصل إلى اتفاق “سريع” بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية، معتبرًا أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر “إلى الأبد”.
وقال ماكرون، عقب قمة جمعت الدول الـ27 الأعضاء في بروكسل: “فرنسا تدافع عن ضرورة إنهاء هذه المفاوضات بسرعة، لسنا مع فكرة إطالة أمدها إلى ما لا نهاية”.
وأضاف: “هناك رغبة حقيقية من الأوروبيين في التوصل إلى اتفاق… لكننا لا نريد التسرع على حساب مصالحنا”.
هل يؤجل ترامب الرسوم مجددًا؟
في الوقت نفسه، ما زالت الرسوم الجمركية العقابية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي من المفترض أن تدخل حيّز التنفيذ في 9 يوليو/ تموز، محاطة بالغموض. فقد أعلن البيت الأبيض يوم الخميس أن “الموعد النهائي ليس نهائيًا”. وصرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن هذا التأجيل “قد يتم تمديده”، مشيرة إلى أن القرار النهائي “يعود إلى الرئيس وحده”.
ويُذكر أن ترامب، ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، فرض رسومًا جمركية على قطاعات محددة، مثل الصلب والألومنيوم، بحجة حماية الصناعة الوطنية. لكنه وسّع هذا النهج منذ أبريل/ نيسان، مستهدفًا عشرات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة برسوم جمركية مرتفعة، قبل أن يجمّد تنفيذها حتى 9 يوليو/ تموز لإتاحة المجال أمام التفاوض.
وأكدت ليفيت أن ترامب “يمكنه اقتراح اتفاق جديد على هذه الدول إذا لم تبادر هي بذلك قبل انتهاء المهلة”. وأشارت إلى أن بإمكانه “اختيار نسبة جمركية يراها عادلة ومربحة للولايات المتحدة”.
مفاوضات متواصلة وضغوط أوروبية
في المقابل، شددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على أن بروكسل “تُقيّم حاليًا الوثيقة الأخيرة التي تلقيناها من الولايات المتحدة لمواصلة المفاوضات”، مؤكدة أن العمل مستمر على قدم وساق. وخلال القمة، حثّ المستشار الألماني فريدريش ميرتس على ضرورة التوصل إلى اتفاق في أسرع وقت، حتى وإن تطلّب الأمر قبول الأوروبيين ببعض الرسوم دون مقابل مباشر، فيما وصفه البعض بأنه “تنازل غير متوازن”.
وفي ختام القمة، عاد الرئيس ماكرون ليؤكد موقف بلاده، وقال: “فرنسا تؤيد اتفاقًا سريعًا، لكن إذا قرر الأمريكيون في نهاية المطاف الحفاظ على رسوم بنسبة 10% على اقتصادنا، فسيكون هناك بالتأكيد إجراءات تعويضية ضد المنتجات والبضائع الأمريكية في السوق الأوروبية”.
وأضاف بحزم: “نحن الأوروبيين لسنا سذجًا، ولسنا ضعفاء”.
من جانبه، قال غيوم لاكروا، الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والاقتصاد (IFRI) لـ”العين الإخبارية”، إن دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون للتوصل إلى اتفاق سريع مع واشنطن تعكس وعيًا أوروبيًا متزايدًا بتكاليف استمرار التوترات التجارية، خصوصًا في ظل هشاشة الاقتصاد العالمي.
ويرى لاكروا أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه الاستمرار في موقع دفاعي بينما تتبنى الإدارة الأمريكية نهجًا حمائيًا متصاعدًا تحت شعار “أمريكا أولًا”.
وأضاف: “الأسواق العالمية لم تعد تتسامح مع الغموض التجاري، والقطاع الصناعي الأوروبي، خاصة صناعة السيارات، بدأ يشعر بثقل الرسوم المحتملة حتى قبل فرضها رسميًا”.
وفيما يخص موقف واشنطن، يوضح لاكروا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستخدم الرسوم الجمركية كأداة تفاوض وليس كسياسة اقتصادية طويلة الأمد، وأن تكرار تأجيل تنفيذ الرسوم يهدف إلى ممارسة ضغط نفسي على شركاء الولايات المتحدة لانتزاع تنازلات أكبر.
وأوضح أن البيت الأبيض يريد من بروكسل أن تقدم تنازلات دون أن يقدم هو بالمقابل على فتح السوق الأمريكية بشكل حقيقي، وهو ما تعتبره باريس وبرلين تهديدًا لتوازن المبادلات التجارية عبر الأطلسي، وفق قوله.
ويحذر الخبير من أن أي اتفاق غير متوازن قد يُنظر إليه داخليًا في أوروبا على أنه تنازل سياسي أمام الابتزاز الأمريكي، ما قد يغذي الشعور الشعبوي المعادي للعولمة، مضيفًا: “الاتحاد الأوروبي يقف بين خيارين صعبين: إما القبول برسوم جزئية لتفادي الأسوأ، أو التصعيد المضاد عبر فرض رسوم انتقامية، وهو سيناريو لا يخدم أي طرف على المدى المتوسط”.
ويرى لاكروا أن أوروبا مطالبة بإعادة التفكير في استراتيجية تجارية موحدة أكثر صرامة تضمن مصالحها، بدلًا من الاقتصار على ردود الفعل تجاه سياسات الشركاء الأقوياء.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز