الاقتصاد الفرنسي أمام تحدي وجودي.. 3.3 تريليون يورو الدين العام

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



في وقت تعاني فيه فرنسا من اضطرابات سياسية وضغوط مالية غير مسبوقة، بعدما كشفت الأرقام الرسمية عن تفاقم غير مسبوق في الدين العام، ومع تعثّر إصلاحات التقاعد، يواجه الاقتصاد الفرنسي تحديًا وجوديًا يهدد تصنيفه واستقراره.

وأعلنت هيئة الإحصاء الفرنسية (INSEE)، اليوم الخميس، عن تطورات الدين العام الفرنسي الذي تجاوز عتبة 3,300 مليار يورو (4,191 مليار دولار)، وتأتي هذه الأرقام في سياق سياسي مأزوم، تسعى فيه الحكومة جاهدة لاحتواء العجز العام المتفاقم، بحسب صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.

وفقًا للأرقام التي كشفت عنها هيئة الإحصاء الوطنية الفرنسية (Insee) يوم الخميس 26 يونيو/حزيران الجاري، واصل الدين العام الفرنسي ارتفاعه بنهاية الربع الأول من عام 2025، ليبلغ 3,345.8 مليار يورو (4,250.17 مليار دولار)، ما يعادل 114% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة قدرها 40.5 مليار يورو (51.44 مليار دولار) مقارنة بنهاية عام 2024.

وفي ظل هذا التصاعد، اجتمع “لجنة إنذار” في وزارة الاقتصاد الفرنسية (بيرسي) صباح اليوم، حيث أعلن مسؤولو الحكومة عن الحاجة إلى “جهد إضافي” بقيمة 5 مليارات يورو (6.35 مليار دولار) خلال هذا العام لتدارك العجز.

وكان الدين العام قد سجّل ارتفاعًا طفيفًا قدره 3.8 مليار يورو (4.83 مليار دولار) في الربع الأخير من 2024، ليبلغ حينها 3,305.3 مليار يورو (4,197.73 مليار دولار)، أي 113.2% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتواجه الحكومة تحديات جسيمة في إعداد موازنة عام 2026، في وقتٍ تتصاعد فيه تهديدات بحجب الثقة من قبل اليسار، وذلك بعد فشل مفاوضات إصلاح نظام التقاعد بين الشركاء الاجتماعيين.

تفاصيل الدين العام بالأرقام

ديون الدولة المركزية ارتفعت بـ36.7 مليار يورو (46.61 مليار دولار)، وديون الإدارات المحلية زادت بـ 600 مليون يورو (762 مليون دولار)، وديون هيئات الضمان الاجتماعي ارتفعت بـ 3.3 مليار يورو (4.19 مليار دولار).

أما ديون الكيانات الإدارية الأخرى فبقيت مستقرة تقريبًا، مع تراجع طفيف بـ100 مليون يورو (127 مليون دولار).

ثالث أعلى دين في منطقة اليورو… بعد اليونان وإيطاليا

وتعد فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا، من بين الأسوأ أداءً في مجال الانضباط المالي. فقد بلغ الدين العام الفرنسي في نهاية 2024 حوالي 3,305.3 مليار يورو (4,197.73 مليار دولار)، أي 113% من الناتج المحلي الإجمالي، لتحتل المرتبة الثالثة من حيث نسبة الدين بعد اليونان وإيطاليا.

هذا التراكم المهول للديون لم يكن وليد لحظة، بل تغذّى عبر سنوات من الأزمات المتلاحقة: المالية، الصحية، وأخيرًا التضخم. وللمقارنة، لم تكن نسبة الدين تتجاوز 57.8% من الناتج المحلي في عام 1995، وفقًا للبيانات الرسمية.

أما العجز العام، فقد بلغ العام الماضي 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعله الأسوأ في منطقة اليورو. وتطمح الحكومة إلى خفضه تدريجيًا ليعود إلى ما دون سقف 3% الأوروبي بحلول عام 2029، بدءًا من 5.4% في 2025 و4.6% في 2026.

إنذار مالي وحلول تقشفية صعبة

في محاولة لاحتواء الأزمة، تخطط الحكومة لتقليص الإنفاق بنحو 50 مليار يورو (63.5 مليار دولار) هذا العام، و40 مليار إضافية (50.8 مليار دولار) في 2026، رغم ضغوط متصاعدة ناتجة عن خطط إعادة التسلح وارتفاع تكلفة خدمة الدين، التي باتت على وشك أن تصبح البند الأول في ميزانية الدولة.

ووعد رئيس الوزراء فرانسوا بايرو بإعلان “خارطة طريق” منتصف يوليو/تموز، تسبق عرض مشروع الميزانية أمام البرلمان في الخريف، وسط توقعات بصدام سياسي حاد قد يهدد بقاء الحكومة.

من جانبه، قال المحلل الاقتصادي برونو كافالييه من مؤسسة Oddo BHF إن مشروع ميزانية 2026 سيكون أكثر صعوبة من ميزانية 2025، بسبب الإجراءات التقشفية التي يتطلبها، ما يجعله عُرضة لرفض شعبي وسياسي واسع.

“سنة بيضاء” قيد الدراسة.. ومخاوف من سيناريوهات كارثية

الحكومة تسعى إلى ضبط الإنفاق العام دون اللجوء إلى رفع الضرائب، عبر توزيع العبء بين الدولة والضمان الاجتماعي والجماعات المحلية. وقد صرحت المتحدثة باسم الحكومة، صوفي بريماس، أن “جميع السيناريوهات مطروحة، دون محظورات”، بما في ذلك فرض “سنة بيضاء”، أي تجميد النفقات الجارية دون تعديلها تبعًا للتضخم.

كما جرى التخطيط، مثل ما حدث مطلع العام لتسهيل تمرير ميزانية 2025، لعقد لقاءات مع جميع الكتل السياسية في وزارة المالية (بيرسي) قبل 11 يوليو/تموز، بقيادة وزير الاقتصاد إيريك لومبارد، ووزيرة الحسابات العامة أميلي دو مونشالان.

لكن في ظل استمرار الجمود السياسي منذ حل الجمعية الوطنية قبل أكثر من عام، تبدو مهمة التوافق شبه مستحيلة.

رغم ذلك، تصر دو مونشالان على أن الحكومة تتحرك “بشكل مسؤول وموثوق”، لكنها اعترفت بصعوبة المفاوضات مع الوزارات التي طُلب منها اقتراح تخفيضات في الإنفاق، قبل أن تتولى رئاسة الوزراء حسم الأمور.

مناخ داخلي هش وأفق اقتصادي غامض

العديد من الأحزاب منشغلة بالاستحقاقات المقبلة، سواء الانتخابات البلدية في 2026 أو الرئاسية في 2027، وهو ما يجعلها، بحسب كافالييه، أكثر ميلًا لاستخدام أي مبرر لتقديم تنازلات انتخابية.

ويضاف إلى الوضع الداخلي المأزوم عامل خارجي لا يقل خطورة، يتمثل في عدم اليقين الاقتصادي العالمي، بما في ذلك ارتفاع الرسوم الجمركية الأمريكية والتوترات في الشرق الأوسط، ما قد يُبطئ النمو أكثر.

تتوقع هيئة الإحصاء الفرنسية والبنك المركزي نموًا بنسبة 0.6% فقط في 2025، بينما تتوقع الحكومة 0.7% – تراجع واضح مقارنة بنمو 1.1% في 2024.

وفي محاولة لطمأنة الرأي العام، وعدت دو مونشالان بـ”الشفافية الكاملة” في اجتماع لجنة الإنذار المالي المنعقدة للمرة الثانية منذ أبريل، والتي تضم برلمانيين، منتخبين محليين، وشركاء اجتماعيين. وأكدت أنه لن يكون هناك انهيار في العائدات كما حدث في 2023 و2024.

لكن رابطة رؤساء البلديات الفرنسية لم تشاركها التفاؤل، ووصفت الاجتماع بأنه “مجرد تمرين إعلامي جديد” لا يرقى إلى “اجتماع عمل حقيقي”.

تسارع الديون الفرنسية

aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز FR



‫0 تعليق

اترك تعليقاً