عن هجرة القسوة وبداية الرحمة داخل كل بيت

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


كل عام، تقف الأرواح على عتبة مُحرّم، تنظر إلى الهجرة كقصة بعيدة، تمّت منذ قرون.. لكن الهجرة الحقيقية لا تنتهي، إنها تسكننا.
هي لحظة قرار: أن نترك ما يؤذينا، أن نخطو نحو ما يحيينا، أن نغادر ما يطفئنا، ونعود إلى ما يجعلنا نضيء.

أليس في داخل كل بيت، حاجة لهجرة كهذه؟
أليس في بعض القلوب، بيوتٌ خَرِبَت من القسوة، لا من الفقر؟
أليس بين الزوجين، من يحتاج أن يهاجر من سكونٍ كاذب إلى حوارٍ صادق؟
الهجرة لا تُقاس بخطوات القدم، بل بخفقات القلب…
أن تهاجر الزوجة من صبرٍ يُبكيها إلى كلمة تُنقذها..
أن يهاجر الزوج من صمتٍ يُطفئها إلى احتواءٍ يُحييها..
أن يهجر كلاهما “المسافة” بين الأجساد ويبحث عن “القرب” في القلوب..
وهل أجمل من أن ننوي مع بداية العام الجديد، أن نُحيي نية الحُب؟
أن نهجر العتاب الصامت، ونعود إلى الكلمة الطيبة؟
أن نُهاجر من الانفصال العاطفي الذي يَقتل الحب في صمت، إلى دفء يومي يَغرس الطمأنينة في قلوبنا وقلوب أبنائنا؟

فالهجرة ليست حدثًا، بل اختيار…
اختيار الرحمة بدلًا من القسوة..
اختيار الإصلاح بدلًا من الانتظار..
اختيار أن نبدأ من جديد، لا لأننا فشلنا، بل لأننا استحققنا حياة أنضج.
وفي هذا العام الهجري الجديد…
لنهجر الإساءة، لنهجر الصراخ، لنهجر التراكمات التي تُثقل العلاقة ولا تُظهرها.
ولنبدأ حكاية جديدة، نكتب فيها كل صباح نية صافية، ونعيد فيها بناء البيت لا بالجدران، بل بالكلمة واللمسة والاحتواء.

الهجرة ليست فقط بين مدينتين… بل بين قلبٍ ضاق، وقلبٍ وسِع.

ولأن الهجرة لا تُروى فقط في كتب التاريخ، بل تُعاش في كل بيت، لعل أعظم ما يمكن أن نحمله من هذه المناسبة هو مفهوم “التخلّي” و”التحوّل”.

أن يتخلى الزوج عن فكرة الهيمنة العاطفية، ويمنح شريكته الشعور بالأمان بدلًا من الخوف.
أن تتحول الزوجة من كتم الألم إلى التعبير الناضج..

فمن لم يهجر طباعه التي تؤذي، وإن مرّت الأعوام عليه، فما زال عالقًا في أول الطريق.

كل علاقة تنجو، هي هجرة ناجحة.

كل مرة نختار فيها أن نصمت عن جرح، ونشرح بدلًا من أن نُعاقب، ونلمس بدلًا من أن نؤذي. تلك هي هجرة قلبية نحو وجهة أرقى.

لنفرّ من جمود العلاقة، من التصرفات التي تُطفئ الآخر، من صمت لا يُفهم، ومن لوم لا يُصلح…
ونُهاجر إلى نية جديدة، تبني البيت من الداخل، لا تُجمّله فقط من الخارج.
في مطلع هذا العام الهجري فلنهاجر من العتاب الي الاحتضان. من الجفاف إلى الحنان. من تكرار الألم إلى نية الشفاء. فالهجرة لا تحتاج حقائب، بل قلوبا مستعدة لتبدأ من جديد..



‫0 تعليق

اترك تعليقاً