قبل ربع مليار سنة.. وحوش حكمت الأرض ثم أنجبت البشر

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


قبل ملايين السنين من تجوّل الديناصور الشهير “تي ريكس” على سطح الأرض، كانت هناك كائنات مفترسة أكثر غرابة ورعبًا منه تسيطر على الكوكب، وفي مشهد يعكس وحشية تلك الحقبة، دار كائنان ضاريان حول بعضهما، يتفحصان الأجساد الخالية من الشعر، بأنياب أشبه بسكاكين المطبخ ومخالب غارزة، وأفواه يمكنها أن تفتح بزاوية 90 درجة.

وفي ومضة، أنهى أحدهما المعركة بغرس سن يبلغ طوله 12.7 سم في وجه خصمه، معلنًا تفوقه في صراع لا يختلف كثيرًا عن أفلام الرعب، سوى أنه حدث بالفعل، أو بشيء قريب من الحقيقة.

اكتشاف داخل صندوق مغبر

في مارس 2021، في متحف إيزيكو للتاريخ الطبيعي في كيب تاون، تسلّم عالم الحفريات جوليان بينوا صندوقًا بسيطًا من الورق المقوى، بدا كأن لا قيمة له، لكنه لم يفتح منذ 30 عامًا.

داخل الصندوق، كانت هناك عظام متناثرة وجماجم بأسماء خاطئة، لكن ما لفت انتباه بينوا كان سطحًا لامعًا صغيرًا، وبعد فحصه تحت المجهر، تبين أنه سن مدبب ومغروس داخل جمجمة حيوان آخر، لم يكن سنًا لديناصور، بل لواحد من “الجورجونوبسيانات”، وهي حيوانات مفترسة طورت قدرات خارقة في فترة غامضة من تاريخ الأرض تعرف بـ”العصر البرمي”، أي قبل أكثر من 250 مليون سنة، بحسب تقرير نشرته BBC.

أرض الجفاف والنار

بدأ العصر البرمي قبل نحو 299 مليون سنة، عندما كانت اليابسة مجتمعة في قارة عملاقة تسمى “بانجيا”، محاطة بمحيط واسع يعرف باسم “بانثالاسا”، إذ سادت في هذا الزمن ظروف مناخية قاسية، بدأت بجليد كثيف في الجنوب ثم تحولت إلى حرارة جافة وخانقة في الداخل، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 73 درجة مئوية.

يقول أستاذ البيئات القديمة في جامعة ليدز، بول وينجال، “الوسط كان جافًا وقاحلًا، بينما احتفظت الأطراف ببعض الرطوبة والنباتات”، ومع نهاية العصر البرمي، ارتفعت حرارة الأرض فجأة بعشر درجات مئوية، ما مهّد الطريق لانقراض جماعي غير مسبوق.

كائنات ما قبل الديناصورات

في هذا العالم القاسي، لم تكن الديناصورات قد ظهرت بعد، بل هي أبعد عن العصر البرمي بقدر بعدنا عنه اليوم، بدلًا منها، كانت الأرض تعج بكائنات تعرف بـ”السينابسيدات”، وهي سلالة غريبة من الحيوانات تطورت لاحقًا إلى الثدييات.

كان منها كائنات بأشكال غريبة مثل “الإستيمينوسوكس”، الذي يشبه فرس نهر يرتدي قبعة حفلات، كانت السماء أيضًا مأهولة بميجانيوروبسيس، وهي حشرات ضخمة تشبه اليعاسيب بحجم البط، وفي المياه، كانت توجد برمائيات ضخمة وأسماك غريبة بأسنان دوارة، مثل الهليكوبريون، التي استخدمت “مناشيرها” لتمزيق لحوم فرائسها.

البداية الحقيقية للثدييات

تميزت السينابسيدات بقدرتها على التكيف، فقد كانت تحتضن صغارها داخل أجسادها أو تضع بيضًا يحتفظ بالرطوبة، كما امتلكت جلدًا مقاومًا للماء، ما مكنها من البقاء في بيئات قاسية.

لم تكن سريعة، لكنها امتلكت أدوات قاتلة، فم مزود بأنواع متعددة من الأسنان، أشبه بسكين سويسري، تمكنها من تمزيق وطحن وابتلاع الطعام بكفاءة عالية.

سمحت هذه القدرات بنمو أجسامها لتصبح أكبر، ما جذب مفترسات أكثر قوة، مثل الديميترودون – أحد أكثر الكائنات شهرة في العصر البرمي، الذي بلغ وزنه نحو 250 كجم، وتجول في المستنقعات بأشرعة طويلة تمتد من ظهره.

فائض مفترسات على الكوكب

في أحد المواقع بتكساس، وجدت الحفريات أن عدد الديميترودونات تجاوز أعداد الفرائس بنسبة 8.5 إلى 1، وهي نسبة غير منطقية وفق النظم البيئية الحديثة، لكن هذا التناقض فُسر لاحقًا باكتشاف بقايا لأسماك قرش ضخمة بين فكي هذه المفترسات، ما يدل على أن الديميترودون لم يكتفِ بفرائس اليابسة، بل اتجه إلى الماء لتلبية حاجته من البروتين.

أما “الشراع” على ظهر الديميترودون، فقد حيّر العلماء لعقود، هل هو وسيلة لتنظيم الحرارة؟ أم مجرد أداة للتزاوج؟ النظرية الأخيرة تبدو الأرجح الآن، إذ تبين أن هذه الأشرعة ربما ساعدت الكائنات على جذب شركاء التزاوج.

مفترسات بأنياب خارقة

في ذروة العصر البرمي، ظهر الأنتيوصور، مفترس ضخم بطول 6 أمتار، بفكوك عضلية وأنياب قادرة على سحق العظام، وُصف بأنه “تي ريكس العصر البرمي”، وكان يتمتع بقدرات استثنائية في تتبع الفريسة والسيطرة عليها.

بينوا وفريقه اكتشفوا أن الأذن الداخلية للأنتيوصور تشبه تلك الموجودة في الفهود الحديثة، ما يشير إلى قدرة فائقة على التوازن ومطاردة دقيقة، لكن الأنتيوصور لم يستمر طويلاً، فقد انقرض قبل نهاية العصر البرمي، تاركًا المجال لهيمنة نوع آخر “الإينوسترانسفيا”.

صياد البراري الأخير

كان إنوسترانسفيا هو المفترس الأشرس في نهاية العصر البرمي، بأسنان يصل طولها إلى 30 سم، وجمجمة ضخمة يبلغ طولها 70 سم، تمكن من اصطياد فرائس ضخمة مثل ديساينودونت والبارياصورات، وغالبًا ما اعتمد على الكمائن، مستخدمًا أطرافه الأمامية القوية لتثبيت الفريسة، ثم يغرس أنيابه القاتلة، بعكس القطط ذات الأنياب الحادة الحديثة، كان بإمكان إنوسترانسفيا تعويض أي سن مكسور، ما منحه ميزة بقاء عالية.

من روسيا إلى جنوب أفريقيا

كانت المفاجأة الكبرى أن حفريات الإينوسترانسفيا عُثر عليها في جنوب أفريقيا، رغم أن موطنها الأصلي في روسيا، هذا يشير إلى أنها قطعت أكثر من 7000 ميل عبر بانجيا، لتملأ الفراغ الذي خلّفه انقراض “الجورجونوبسيانات” الأخرى، ويعتقد أن ظهور الإينوسترانسفيا في الجنوب كان علامة على اقتراب الانقراض الجماعي العظيم.

الموت العظيم

في نهاية العصر البرمي، اندلعت ثورات بركانية ضخمة في سيبيريا، قذفت تريليونات الأطنان من الحمم ورفعت تركيز ثاني أكسيد الكربون إلى 8000 جزء في المليون، ما أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب وانهيار النظم البيئية.

يقول كاميرر: “لم يحدث الانقراض فجأة كما في الأفلام، بل امتد على مدار مئات الآلاف من السنين”.

وخلال هذه الفترة، اختفت الجورجونوبسيانات واحدة تلو الأخرى، وجاءت موجة جديدة من الكائنات لتحتل موقعها، قبل أن تجرف جميعها في نهاية المطاف.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً