المتغيرات والضوابط في الحرب الإسرائيلية الإيرانية

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



في اليوم الثاني عشر “25 يونيو” من المواجهة بين إيران وإسرائيل، حدث وقف لإطلاق النار بين الجانبين، وذلك بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة العديد الأمريكية في قطر.

وهذه الحادثة سُمّيت بالمسرحية فور تقديم الرئيس الأمريكي الشكر إلى طهران لإنذاره مسبقًا، فقد تم إعلام طرفي الاستهداف “الولايات المتحدة وقطر”، وذلك للمساعدة من قبل الطرفين في حفظ بقاء وهيبة النظام الثيوقراطي الملالي في طهران. وفي الوقت نفسه، تفتح هذه العملية الباب للعودة إلى المفاوضات الدبلوماسية.

دون أدنى شك، هذه المسرحية ذات الأهداف السياسية تكونت بعد قصف واشنطن لمنشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية باستخدام قاذفات شبح من طراز “B2”. وليس غريبًا أن نشهد مثل هذه المسرحية عند إدراكنا بأن هذه الحرب تحمل أبعادًا متعددة يمكن وضعها في إطار المتغيرات والضوابط بين طرفي النزاع، والتي تُقيد الحرب في مسارات معينة ومحدودة.

أولاً: أهم المتغيرات:

 1 -كانت العلاقات الإيرانية والإسرائيلية تُفسَّر بأنها عبارة عن قوتين إقليميتين لهما مصالح في الهيمنة الإقليمية على حساب الدول العربية، التي لها نظام إقليمي عربي خاص بتفاعلاته وعلاقاته (كما يوضحها كتاب “تحالف الغدر” لتريتا بارسي)، وعلى نفس السياق، تدخل تركيا أيضًا.

وهذا الإطار قد جمع نظام شاه إيران ونظام الملالي على حد سواء مع مصالح إسرائيل؛ ففي عصر الشاه كانت الدوافع مبنية ضد المد الناصري والاشتراكي، حيث تحسنت العلاقات بعد النكسة 1967 بمساعٍ من دولة الكويت، ثم أتى نظام الملالي وتعاون مع إسرائيل في حربه مع العراق فيما عُرف بفضيحة “إيران غيت – المصالح فوق المبادئ”.

وثمة حقيقة، وهي تقلص مساحة هذا الإطار، الذي في حالة استمراره سيمكن إيران من التحول إلى دولة نووية، كما أن منطقة الشرق الأوسط لا بد لها من عودة هيمنة الدولة القُطرية القومية الوستفالية، فالدولة القُطرية هي المنظم الأساسي للسياسة والعلاقات الدولية.

2- ومن المتغيرات كون هذه الحرب تأتي بعد كسر أذرع إيران في لبنان مع قتل حسن نصر الله، وتدمير قدرات حزب الله، وانهيار نظام بشار، والحرب على غزة التي مثّلت حرب إبادة وتدمير.

3- وهناك متغيرات خطرة كانتشار مستويات الفقر بين الشعب الإيراني، وبروز الهويات خارج إطار الهوية الإيرانية؛ فالهوية الإيرانية وبقاء النظام الثيوقراطي الإيراني في حالة اعتماد، حيث تُعتبر القومية الإيرانية مرتبطة بالمذهبية في وحدة الهويات، فالدولة الصفوية الفارسية قامت على تدعيم التماسك الاجتماعي الثقافي فيها عبر المذهب الشيعي، رغم تعدد هويات وأعراق ولغات الشعب الفارسي، وما زالت الدولة الإيرانية المعاصرة تعتمد على ذلك.

4- ومن المتغيرات وصول الجيوبوليتيكية الإيرانية منذ الثورة الإسلامية حتى اليوم إلى حالة خارجة عن سياق الواقع والشرعية الدولية ومبدأ سيادة الدولة، والتي تبرز عبر اختراق بعض الدول العربية والهيمنة عليها سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا عبر استغلالها للمكوّن الاجتماعي الشيعي، والذي بدوره يخدم أهداف التوسع الإيراني الشيعي نحو تحقيق هدف الدولة الأقوى في الشرق الأوسط وتمثيل “إرادة الله” كما يتوهمون.

فلقد تطورت المذهبية كأداة للقوة والاختراق الإيراني من تصدير «الثورة الإسلامية» للمستضعفين، وبكونها أداة المقاومة، والتي نتج عنها السيطرة على العراق والنفوذ القوي في لبنان واليمن وسوريا سابقًا، ناهيك عن زعزعة أمن دول عديدة مثل الكويت والبحرين. ووصلت العقيدة الملالية في طهران ومن يتبعها إلى “نظرية السفياني”، وهي نظرية تعكس الصراع السياسي التاريخي مع معاوية، ولعل الوصول إلى هذا التنظير «نظرية السفياني» يكون مؤشراً على أن إيران وصلت إلى أعلى نقطة وأخطرها في استغلال المذهبية الشيعية والأحداث التاريخية.

ثانيًا: الضوابط لهذه الحرب:

1- واشنطن وروسيا في المعادلة، إذ استطاعت واشنطن مساعدة تل أبيب في تدمير المنشآت النووية عبر عملية قصف محددة لمنشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية باستخدام قاذفات شبح من طراز “B2”.

2- ومن الضوابط المهمة عدم رغبة واشنطن في إسقاط النظام الإيراني ودخول إيران وهوياتها في صراعات داخلية تقود إلى فوضى ممتدة من كابول إلى طهران، وصولاً إلى بغداد ومياه الخليج.

3- كما أن بقاء نظام الملالي يدعم استقرار دول آسيا الوسطى أيضًا، والتي تتميز بأنظمة سياسية علمانية تترك للدين الحضور في الحياة الاجتماعية والعامة. فهناك هواجس أمنية بين الأنظمة العلمانية ومساحة الديمقراطية وحضور الجماعات الدينية والقومية مع معضلات التنمية. على سبيل المثال لا الحصر، نجد أن طاجيكستان، وهي الأقرب للعرق الفارسي، تتنافر مع إيران بشكل كبير بسبب اختلاف المذهب السائد وطبيعة النظام السياسي بينهما، وتُعتبر طاجيكستان أكثر دول آسيا الوسطى تعرضًا لإرهاب الجماعات الإسلامية المتشددة، حيث شهدت حربًا أهلية بين عامي 1992–1997. فثمة مخاوف دولية من تزايد بروز حركات أصولية متشددة في دول آسيا الوسطى العابرة للحدود. قطعًا، استقرار آسيا الوسطى يخدم الصين وروسيا بشكل محوري في الاقتصاد والتجارة والأمن.

4- نجد أن موسكو، الداعم الأكبر لطهران، لا تحتمل التصادم مع ترامب وسياساته وقوته العسكرية، بل يرى بوتين في الرئيس الأمريكي أهم فاعل قوي لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وتقاسم المصالح. ولعل تدمير المنشآت النووية الإيرانية وتصفية القادة العسكريين والعلماء الإيرانيين ثمنٌ كبيرٌ مقابل استمرار النظام الإيراني في ميزان البراغماتية بين القوتين. فلعبة المصالح هذه هي التي قادت إلى تفاهم بين تركيا وإسرائيل وواشنطن وموسكو في إسقاط نظام بشار.

5- ومن نافلة القول إن استمرار نفاذ النفط إلى العالم من الخليج يمثل أحد أهم الضوابط في هذه الحرب.

ختامًا، يبقى الوضع متأرجحًا في وقف الحرب بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني، حسب نجاح المفاوضات والشروط في النووي الإيراني. فإذا كانت إسرائيل متفوقة عسكريًا وتقنيًا واستخباراتيًا، وهادفةً إلى إسقاط نظام إيران في سبيل التخلص من محاولات امتلاك القدرات النووية وحتى العسكرية الإيرانية، إلا أنها تبدو منصاعة للرئيس الأمريكي في الهدنة ووقف الحرب. كما أن “تل أبيب” تراقب مدى قدرة النظام الإيراني على إعادة بناء شرعيته لدى الشعب الإيراني، فاستمرار أي نظام سياسي يعتمد على هيكل “ديفيد إيستون” للنظام السياسي، والذي يُصوّر حقيقة العلاقة الطبيعية المتمثلة في وظيفة النظام السياسي داخل المجتمع. فـ”هيكل ديفيد إيستون” يقوم على قدرة النظام السياسي على استيعاب وتلبية مطالب الشعب، تلك المطالب التي لا بد أن يُحوّلها النظام السياسي إلى مخرجات وقرارات وسياسات تخدم مطالب وتطلعات الشعب من خدمات متعددة وأمن وتطور وعدالة. فعندما تحدث حالة عجز لدى النظام السياسي على تلبية مطالب البيئة الداخلية، التي يحيا فيها والممثلة بالمجتمع والإقليم بالدرجة الأولى، فإن النظام يهوي من الأعلى إلى الأسفل في سقوط مدوٍّ.

الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة



‫0 تعليق

اترك تعليقاً